10.57°القدس
10.33°رام الله
9.42°الخليل
14.89°غزة
10.57° القدس
رام الله10.33°
الخليل9.42°
غزة14.89°
الثلاثاء 24 ديسمبر 2024
4.59جنيه إسترليني
5.17دينار أردني
0.07جنيه مصري
3.81يورو
3.66دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.59
دينار أردني5.17
جنيه مصري0.07
يورو3.81
دولار أمريكي3.66

خبر: مكيات

* بانتظار مرسي وكل مرسي لم أتخيل أنني سأقف في يوم ما -حبا وطواعية- لمشاهدة رئيس أو حاكم، إلا أنني وقفت بانتظار أن يخرج المرسي (أبو أحمد) من باب أجياد بعد صلاة فجر السابع والعشرين من رمضان، فتذكرت وقوف ودعاء الناس لصالح الإسكندرية المرسي أبو العباس أستاذ ابن عطاء، وحمدت أن أرانا الله نماذج في حياتنا للصالحين حتى لا نبقى فقط على ذكرى الأولياء. بادرني الشرطي الواقف على باب القصر، حيث تجمهر الناس بانتظار المرسي بأني لست مصرية كما يبدو من لهجتي فلماذا أنتظره؟ ودبت فيَّ الحمية لأشرح له أن الصلاح والمحبة في الله فوق اعتبارات الجنسية والوطن، وأن أعماله هي التي تجعلنا نقف؛ محبة واحتراما له ولكل من سلك مسلكه من مختلف الجنسيات والدول، فليس الشخص من نجل، وان كان يستحق الاحترام، ولكنه المبدأ وطيب الفعال، وأسكت الشرطي كذلك أب يمني سأله طفله عن سبب الانتظار لرؤيته فأجابه: «هذا رجل من رجال الثورة المباركة، وأريدك أن تملي عينيك منه». طال الانتظار، وطال تبتل المرسي أبو أحمد في الأذكار، فتركناه دون أن نراه في رعاية من لا تضيع عنده الودائع، وأوصلنا إليه حبنا دعاء بظهر الغيب. رجعنا قافلين الى السكن وفي بالي: يا لهم من حمقى اولئك الحكام الذين يؤثرون السلطة والتخويف والحراسة على محبة شعوبهم والتفافهم حولهم! الفرق كبير بين من عدل فأمن وسلم، وبين من ظلم وطفف فخاف. لقد أدرك السر المهلب بن صفرة فقال: «عجبت لمن يشتري المماليك والجنود بماله، كيف لا يشتري الأحرار بمعروفه وحسن عمله؟!». فهل يدركون؟! * لا يشغله سمع عن سمع لو توقفت لحظة لترى الملايين وهي تدعو قبيل الإفطار والسحور، فستصيبك رعدة لجلال المشهد، لا يعالجها الا سجدة لذي الجلال والملك. ملايين في مكة وملايين في غيرها، وكلهم لديه حاجات كثيرة في الدنيا والآخرة لو وقفوا بها على باب أكرم ملوك الدنيا لنفدت خزائنه وملكهم، ولكن سبحان من له المثل الأعلى لا يشغله سمع عن سمع، ولا تغلبه كثرة المسائل، ولا يبرمه إلحاح الملحين، ولا يهتك الستر، ولا يؤاخذ بالجريرة، كاشف صعاب الهموم، ومفرج الكرب العظيم، مسهل الشديد، وملين الحديد، ومنجز الوعد، وماحي الوعيد، وموضع كل شكوى، وسامع كل نجوى، أحد من لا أحد له، وسند من لا سند له، لا يرد سائلا، ولا يخيب للعبد وسائلا، يسع كل هؤلاء ولا ينقص ملكه، ولو قضى كل حوائجهم إلا كما ينقص المخيط اذا أدخل البحر. سبحان من وسع الأصوات كلها، والحاجات كلها، الذي يعفو عن كثيرنا، ولا يردنا خائبين، وليس بين ما نريد سوى أن نقول يا رب فيقول سبحانه للشيء كن فيكون. * عندما تقل النخوة تعرف الأخلاق باختبارها، وعند الامتحان يكرم المرء أو يهان، ويظهر للعيان من كان رجلا، ومن كان مجرد ذكر لا يستحق قوامة ولا أفضلية عندما تجده يزاحم النساء على مكان أو دور أو بيع أو شراء، ويستخدم عضلاته ليتقدم دون رأفة أو رحمة في مواطن الزحام، تجد بعض الرجال يخوض في الجموع كالثور الهائج بشعار يا روح ما بعدك روح، ولو عنى ذلك إيذاء العجوز والمرأة والطفل، وكم تستغيث النساء ويعلو صراخهن دون مجيب الا من قلة قليلة ما زال في قلبها بقايا نخوة، وفي نفسها همة رجولة تنزل جميع النساء كأم وأخت وابنة، وتعاملهن بالبر الذي تستحقه هذه القرابات. في سلوك بعض الرجال مع النساء. في مواطن الزحام تعلم لماذا يتأخر النصر، فلديك تاريخ مجيد يخبرك أن المسلمين انتصروا وفتحوا عمورية؛ لأن المعتصم تحرك لصرخة امرأة مسلمة، فكيف حال من يسومها الأذى في بيت الله؟! النخوة موجودة، ولكنها قليلة، وأصحابها قلة، وعندما يزيدون سننتصر بإذن الله، فالنصر يتنزل على من رضي الله دينه وخلقه. * يوم كانت الأمة امرأةً وطفلاً وكان للنساء تاريخ أكثر الفئات استضعافا في مجتمعاتنا العربية هما فئتا المرأة والطفل، وهما أكثر المضيعة حقوقهم، والمستصغر جانبهم في مجتمع الغاب الذي نعيشه الذي يسحق فيه القوي الأضعف منه، غير أن الحال لم يكن كذلك على الدوام، فلقد ابتدأت الأمة العربية والاسلامية بثبات ويقين بامرأة سكنت وادياً مقفرا غير ذي زرع، لتكون وابنها أول من يعمر أرض الإسلام وبيت الله في الأرض في انتظار قدوم بقية البشر ليتبعوهم في إقامة الصلاة، ذهب الرجل النبي وأبقى وراءه امرأة وطفلا كانا هما الإسلام كله في ذلك الوقت، وقاما بالمهمة كجنود في إنفاذ قدر الله في تلك الأرض، صمدت المرأة وجاءتها القبائل، وفاوضتهم على شروط المقام، فكانت الحاكمة والمضيفة والأم والزوجة والعابدة الصالحة، فكان لا بد من تخلد الى أن يرث الأرض ومن عليها، لا مجرد اسم، ولكن كنسك سيتبعها ويتبع خطاها المسلمون الى قيام الساعة، وبعملها الصالح وحرقة قلبها فتحت لنا باب رحمة، وبئر خير ما زال يسقينا فيروينا الى الآن. أي امرأة كانت هاجر ليصطفيها الله لإنفاذ قدره ولتشريع نسكه؟! أي امرأة كانت السيدة خديجة ليختارها الله لتكون حضن الدعوة الأول؟! أي امرأة كانت السيدة عائشة ليكون لها ميقات كانت أول من أحرم منه ليتبعها على ذلك كل حجاج ومعتمري البيت الحرام بالتنعم والتنعيم والتحفيف على المسلمين؟! نبدأ من عند أمنا عائشة محرمين ملبين، لتتسلمنا أمنا هاجر ساعين، نتعلم محبة الله والجهاد في سبيله ما بين أحضان أمهاتنا وما بين المناسك التي مارسنها، فلنقرأ التاريخ والسيرة ونفهم مناسكنا؛ لنعلم أن المرأة في ديننا أساس لا فضلة، وجوهر لا زينة، ومن يعطلها إنما يعطل الشرع تلك الخامة من النساء صنعت ذلك التاريخ، فأي تاريخ ستصنع خامة نساء اليوم، وهل يبدو الحاضر باهتاً مقارنة بالماضي؟! * الأمومة والأبوة نسك امرأة وحيدة إلا من إيمانها، وثقتها بالله في أرض فلاة منقطعة، لا أنيس بها تبدأ ماراثونها الخاص حتى تجد لابنها ما يسكت جوعه، وهي زوجة نبي تعلم أن الله أمره أن يتركها في هذه الأرض، الا أنها لا تتوانى ولا تنتظر أن تسقط السماء عليها ماء أو طعاما، بل تجد وتجتهد في دورها كأم مسؤولة عن هذا الوليد، فيجعل الله من حرص هذا الأم ورعايتها نسكا يقوم عليه الدين، وهذه الأم ذاتها هي من ربت الغلام البار المطيع الذي أصبح رسولا، أثنى عليه الله بالحلم والصبر وصدق الوعد وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، واستحق ان يعين أباه على رفع قواعد البيت الحرام. الأمومة ليست فقط مشاعر هائمة، ولا حنان قلب، ولا إطعام و تشريب، إنها -مع ذلك كله- تربية ونسك تجعل من الأسرة عمادا لإقامة الدين. * اللهم لا تشهدنا ذاك الزمان الكعبة وما أدراك ما الكعبة؟ تلك الجميلة التي لا يصفها واصف، ولا يملها ناظر، ويسكن إليها المحزون، ويشتاق لرؤيتها المحبون، ويتعلق بها الزائرون حتى تدخل الجنة يوم القيامة كالعروس فيدخلون معها. هذه التي نفتديها بالأفئدة التي تهوي إليها ينتظرها زمن ضعف للمسلمين، فيتجرأ عليها عبد أسود أفحج قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم: «وكأني به يقلعها حجرا حجرا»، فاللهم لا تجعلنا من أهل ذلك الزمان، واجعلنا من أهل زمن النصر كزمن الكتيبة الخضراء التي فتحت مكة سلماً، فلما رآهم أبو سفيان قال للعباس عم الرسول: «ما لأحد بهؤلاء قِبَل ولا طاقة، لقد أصبح ملك ابن أخيك الغداة عظيما».