جُحودُ خاتم النبيين تسفيهٌ للعالَمين، والمجرمون يُهينون أنفسَهم وهم يعلمون النائب د. يونس الأسطل وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آَيَةٌ قَالُوا: لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ، اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ، سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ، وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ الأنعام (124) يظن المجرمون من اليهود والنصارى أنهم حينما يُدَبِّجون فيلماً من الإفك والبذاءات أنهم بذلك ينالون من الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، معلمِ البشرية، ومُخْرِجِها من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد، غير أن مَثَلَهم كناطح صخرة يوماً لِيُوهِنَها، فلم يَضِرْها، وأوهى قَرْنَه الوَعِلُ. إن تلك الجريمة من كبائر الموبقات؛ وهي تطال بدنسها كثيراً من المقدسات؛ ليكون إصرارهم على الحِنْثِ العظيم موجباً لهم يوم تقوم الساعة أشدَّ العذاب؛ فضلاً عن أخذهم في الدنيا بسنة الله في الأولين من الطغاة والمجرمين. 1 - إن أول عدوانٍ بذلك الإلحاد يطال اللهَ جلَّ جلاله، فهو الذي يصطفى من الملائكة رسلاً، ومن الناس، وهو أعلم حيث يجعل رسالته، كما تقول آية المقال، وهي تحكي حَسَدَ كفرة قريش لنبيِّنا عليه الصلاة والسلام، ظانِّينَ بالله ظنَّ السوء، إذْ يزعمون أن كبراءهم من أبي جهلٍ، وأبي لهبٍ، والوليد بن المغيرة، أحقُّ بالنبوة منه، فهلَّا أُنزل هذا القرآن على رجلٍ من القريتين عظيم، أيْ وجيهٍ وذي مال من أهل مكة أو الطائف، لذلك لن يؤمنوا بهذا القرآن، ولا بالذي بين يديه، بل تَوَاصَوْا قائلين: لا تسمعوا لهذا القرآن، والْغَوْا فيه؛ لعلكم تغلبون، وإذا تُتلى عليهم آياته بيناتٍ تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر، يكادون يَسْطون بالذين يتلون عليهم آياتنا. إن كل امرئٍ منهم يطمع أن يُؤتى صحفاً مُنَشَّرة، فيصير نبيَّاً أو رسولاً، لذلك فقد قالوا: لن نؤمن حتى نُؤتى مثل ما أوتي رسل الله، فإذا صاروا رسلاً يمكن أن يؤمنوا لأندادهم الرسل، ودون ذلك خَرْطُ القتاد، ولن يكون حتى يلج الجمل في سَمِّ الخياط. لقد ردَّ الله هذا الجحود بالإخبار بأنه أعلم حيث رسالته؛ إذْ لا يلقاها إلا ذو خُلُق عظيم، وإنه عليها لقوي أمين، ومنْ شرطه أن يُفاجأ باصطفائه لتبليغ رسالة ربِّه، دون أن يكون مُتَشَوِّفاً لها، كما قال سبحانه لنبيه الكريم عيه الصلاة والسلام: " وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ .." القصص (86) فقد كان من قبله لمن الغافلين، وما كان يدري ما الكتابُ ولا الإيمان، ولكنَّ الله جل وعلا قد اختاره داعياً إلى الله بإذنه، وسراجاً منيراً. وقد ختم الآية بالوعيد لأولئك العبيد أنه سيصيبهم صَغَارٌ وذلة عند الله في الآخرة، وأنهم سيدخلون جهنم داخرين، وأما في الدنيا فلهم عذاب شديد بما كانوا يمكرون، فلا يحيق المكر السيءُ إلا بأهله، وما يمكرون إلا بأنفسهم، وما يشعرون. 2 - ثم إن ذلك الفيلم المشين عدوان على رسل الله أجميعن؛ فقد بايعوا خاتم النبيين ليلة الإسراء بالصلاة وراءه ركعتين في المسجد الأقصى، وكان ذلك وفاءً منهم بميثاق الله الذي أخذه على كلِّ واحدٍ منهم؛ أنه إذا بَعَثَ محمداً وهو حيٌّ أن يؤمن به، وأن ينصره؛ قال تعالى: " وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ " آل عمران (81) وإذا كان فيلمهم جحوداً لكلِّ الأنبياء؛ فإنه تجديفٌ في حقِّ أنبيائهم، وبالخصوص سيدنا موسى، وسيدنا عيسى، ومن قبلهم أبو الأنبياء وخليل الرحمن عليهم جميعاً الصلاة والسلام. (أ) أما سيدنا إبراهيم فهو الذي دعا ربَّه أن يجعل من ذريته، وذرية إسماعيل، أمةً مسلمةً له، وأن يبعث فيهم رسولاً منهم، وهو محمد صلى الله عليه وسلم، فاستجاب له ربُّه، فكانت أمة الإسلام ابتداءً من العرب، وذرية إسماعيل، وقد بَعَثَ في الأُمِّيِّينَ رسولاً منهم يتلو عليهم آياته، ويزكيهم، ويعلمهم الكتاب والحكمة. ولما كان اليهود يزعمون أن إبراهيم كان يهودياً، وزعمت النصارى أنه كان نصرانياً، مع أنه ما كان يهودياً ولا نصرانياً، ولكنْ كان حنيفاً مسلماً، وما أُنزلتِ التوراة والإنجيل إلا من بعده، لمَّا كانوا كذلك؛ فإنهم بذلك الفيلم يجحدون إبراهيم والذين معه. (ب) أما نبيُّ الله موسى عليه السلام فقد أخبرتْ سورة السجدة عن اللقاء الذي جمعه بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء، وتَمَّتْ فيه بيعة التبعية والنصرة؛ قال تعالى: " وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ .." الآية (23) وقد بلغ الجحود باليهود أن ينكروا جميع النبوات والكتب المنزلة؛ ليتوسلوا بذلك إلى نفي نبوة خير العالمين، فقد قالوا: " مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ "، فأجابهم ربهم: " مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ .." الأنعام (91). (ج) وأما سيدنا عيسى عليه السلام فهو القائل: " يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ .." الصف (6) وحسبنا أنه عندما ينزل إلى الأرض؛ ليكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويقضي على المسيخ الدجَّال، ويُفْني من معه من اليهود، سيكون داعيةً إلى شريعتنا حاكماً بها، ولن يَلتفت إلى الإنجيل. 3 - إن ذلك الفيلم يسيء لجميع أهل الكتاب هوداً ونصارى قبل أن يَلْمَزَ خاتم النبيين، فهم يعرفونه كما يعرفون أبناءَهم، وإنَّ فريقاً منهم ليكتمون الحقَّ وهم يعلمون، وقد روتِ السيدة صفيةُ أم المؤمنين رضي الله عنها، وهي بنت حُيَيِّ بن أَخْطَبَ من زعماء بني النضير الذين بَدَّلوا نعمة الله كفراً، وأَحَلُّوا قومهم دار البوار، روتْ أنها سمعت أباها يسأل عمَّها بعد لقائه بالنبي عليه الصلاة والسلام على أثر هجرته إلى المدينة: ماذا هو فاعلٌ وقد تأكد أنه النبي الذي بَشَّرتْ به التوراة حقاً؟، فأجاب: عداوته ما حَيِيت. إذاً هو الحقد الأعمى الذي يؤكده يمين الله عز وجل في قوله: " وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا .." المائدة (64) 4 - إن ذلك الفيلم تسفيهٌ لملايين الملايين من الإنس والجن الذين آمنوا به، وعَزَّروه، ونصروه، واتبعوا النور الذي أنزل معه، وقد أُخِذَ العهد على أهل التوراة والإنجيل أن يكونوا معهم، لكنهم ليسوا سواءً، منهم أمةٌ مقتصدة، وكثيرٌ منهم ساء ما يعملون، وليس فيهم سابقٌ بالخيرات، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وقليلٌ ما هم. 5 - إنه جريمة في حقِّ العالمين، فما أرسله ربهُّ إلا رحمة للعالمين، وما أنزل عليه الكتاب إلا ذكرى للعالمين، وليكون للعالمين نذيراً. إن من سبق ذكرهم من الذين أُوذُوا بذلك الفيلم يستصرخون ملياراً ونصف مليارٍ من أمة الإسلام، ومَنْ معهم من الأحرار في العالم؛ أن يَهُبُّوا لِيُخْرِسوا شياطين الإنس والجن الذين جعلهم الله عدواً لكل نبيٍّ، فهم يوحي بعضهم إلى بعضٍ زخرف القول غروراً، وَيَدْعُونَ الناس ليكونوا من أصحاب السعير؛ وليكونوا في الدنيا كالحمير أكلةِ الشعير، وإنْ هم إلا كالأنعام، بل هم أضلُّ سبيلا. إن المسؤولية الكبرى تقع على كاهل الحكام؛ بأن يتخذوا من التدابير ما يجعل أصحاب الوسواس خَنَّاسين، مطلوبين للعدالة، كما كانت أمريكا تجلب المجاهدين للجحيم في غوانتنامو باسم الإرهاب، وإلَّا فإن أضعف الإيمان في كنس السفير الأمريكي، وإعلان المقاطعة الاقتصادية للسلع اليهودية والأمريكية، ومن يتواثب من الحكومات؛ ليقف في صفهم عداءً للإسلام منهاجاً وأمة، وعلينا أن نأخذ كتابنا بقوة، وأن نَذْكُرَ ما فيه، وأن نأمر قومنا يأخذوا بأحسنه، وأن نحرص على حفظ الأجيال له، وأن نسابق الليل والنهار لنشره في العالمين، حتى لا يبقى في الأرض إلا مسلمٌ أو مسالم، فإما أسلم المجرمون، أو أَعْطَوُا الجزيةَ عن يدٍ وهم صاغرون
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.