"أن تصل متأخرا خير من أن لا تصل أبدا".. مقولات وأمثال توارثتها الأجيال حتى أصبحت جزء من ثقافة اجتماعية نعيش عليها، في الوقت ذاته هي تساهم بتشكيل أفعالنا وأهدافنا على الصعيد الشخصي لذا فمن خلال ما نكتب من الجيد أن نفكر والقارئ خارج صندوق ما تعلمناه وأكتسبناه أو تم تلقيننا إياه دون أدنى فهم! لكي نخرج في نهاية المطاف بجديد من بقايا وتراكمات أفعال وسلوكيات وقيم لم تعد تفي بالغرض أو قابلة للتحقق في الوقت الحاضر بالأضافة لمتطلبات عصر السرعة الذي نعيش فيه! وإن استعرضنا عزيزي القارئ أحداث من حياتنا اليومية نخوضها أثناء مسيرتنا تؤكد لنا عدم صلاحية الوصول متأخراً على الأقل في وقتنا الحالي، الذي تنقلب فيهِ الموازيين والنظريات والقواعد بين دقيقة وأخرى، لتحل محلها أُسس جديدة تمحو القديم أو تستغني عنه مهما كان ذا أهمية في يوم ما..!
فالوقت لا يُبقي شيء على حالهُ وإن وصلت متأخرًا مُحملًا بطموح ما مضى قادمًا من وقٍت انتهت صلاحيتهُ لا فائدة من وصولك لا بعد ساعة، ولا غداً! على سبيل المثال إن وصلت متأخرًا عن وقت رِحلتك الجوية ستجد أن الطائرة حَلقت في الأفق ولم تنتظرك! إن وصلت متأخرًا عن وقت الاختبار في الجامعة، ولأسباب قد تكون مقنعة لا يتم إدخالك بعد الوقت المخصص. إن وصلت متأخرًا عن موعد لإجراء اتفاق وتفاوض مهم مع طرف يحترم الوقت، قد يكون ذلك نقطة سلبية بالنسبة لصورتكَ والانطباع الأول الذي يؤخذ عنك على المدى البعيد.
بالإضافة لذلك الأمر، لا يتعلق بالمَجال العَملي فحسب بل حتى مع من نحب، وفي حياتنا الاجتماعية حينما ينتظر المحبوب منك ما يشعرهُ بالاهتمام والطمئنينة قربك، ولكنه يحرص على أن يطلبها باستمرار كأنه ينبهك ويُذكرك بواجباتك التي لابد من القِيام بها في وقتها، إن أستجَبت لطلبهُ بعد حين وبعد أن لفت نظرك سيكون اهتمامكَ متأخرًا بعد فوات الأوان لن يكون ذات قيمة لو كان حصل من دون إلفات نظر وطلب من الطرف الأخر! نستنتج من ذلك أن فيما مضى كان وقت الوصول متأخراً قد يشكل قيمة ويحدث فرق، وتجد فيهِ من ينتظرك لسبب ما ويضع لأجل تأخرك مُبررات وقد يحتفي بوصولك للمحطة التي ينتظرك فيها. في اليوم بات الأمر مختلف تماماً وإن لم يشمل كل زوايا حياتنا لكن أغلبها قد تأثرت بشكل أو بآخر بعصر السرعة وتغيرهُ وتحولهُ بشكل قد لا نَلحظه.
في المقابل وإن اتخذنا وجهة نظر من زاوية أوسع تَطل على الواقع لكي نَعيشه ونستثمره قدر الإمكان ما قيمة تكبدك عناء طريق لا يصل بك نحو وجهتكَ المطلوبة؟ ما فائدة السعي لتقديم أفضل إجابة لاختبار لن تدخلهُ؟ ما الجدوى من تقديم إهتمام لمن لم يعد ينتظرهُ منك. الكثير من خِيارات حياتنا اليوم واسعة بصورة تفوق تصوراتنا، فعندما تجد نفسك تأخرت في تعلم مهارة ما، تأخرت في تحقيق هدف أصبح لا يثير فيك الحماس والشغف لأن وقٍت طويل مر على تحديدهُ لكن هذا لا يعني مضي الوقت وضياع الطريق على العكس قد تتوفر لك فرص أفضل بكثير مما كنت تسعى في الوصول إليها
أبدا من الأن في البحث عن مهارة لا يمتلكها جميع من في الفريق حولك أو أقرانك في منافسة معينة، بذلك يكون بمقدورك التميز عنهم بنقطة قوة جديدة أنت تبدأها وتجد منافسين بمستوى أنت من تحدده.
لذا لابد أن نتجاوز التوقعات السائدة، ونفضل عدم الوصول أبداً، عن مفهوم الوصول الذي لا فائدة منه. قابليتنا على كسر النمطية السائدة هي التحدي الأهم لابد أن نخوضها ونعيشها ونُغامر بِها، ونختبر قدرتنا على الوصول وتحقيق نجاح لم يسبقنا إليه أحداً من قبل.