يبدو أن البعض أصبحوا يستسهلون استفزاز المسلمين واستثارتهم من خلال التطاول على مقدساتهم وإهانتها. حتى صار بمقدور أي طائش أو كاره أو ساع للرواج والإثارة أن يقدم على خطوة من ذلك القبيل، لكي يستدرج آلاف المسلمين الغيورين والغاضبين إلى الشوارع من إندونيسيا إلى نيجيريا. وأمثال هؤلاء المتطاولين لا يفعلون ذلك من قبيل ممارسة حرية التعبير أو شجاعة الرأي، لأن كلا منهم يصاب بالخرس ولا يستطيع أن يفتح فمه بكلمة حتى إذا كانت على سبيل النقد الخفيف لا للعقيدة اليهودية فحسب، وإنما للتاريخ اليهودي أيضا. بوجه أخص فإن الأوروبيين الذين يتمسحون في حرية التعبير لتبرير تطاولهم على مقدسات المسلمين، يستسلمون للجبن المهين ولا يجرؤ واحد منهم على أن يدافع عن أي باحث أنكر شيئا من التاريخ اليهودي الذي يصر رواته على أن ضحايا المحرقة النازية هم ستة ملايين شخص، لا يستطيع أحد أن ينقص منهم واحدا. ومجنون أو يضحى بمستقبله العلمي من يشكك في المحرقة. وقانون "جيسون" في فرنسا يتكفل بردع كل من تسول له نفسه أن يدوس لليهود على طرف. يطول بنا الحديث لو أننا شغلنا أنفسنا بالإجابة عن السؤال: لماذا يفعلون معنا ذلك، من الرسوم المسيئة التي ظهرت في الدنمارك منذ ست سنوات، إلى الشريط المنحط الذي ظهر في الولايات المتحدة مؤخرا، إلى استمرار مسلسل الإهانة والتطاول في فرنسا من خلال إحدى المجلات، وهى العدوى التي انتقلت إلى ألمانيا وربما كانت في الطريق إلى إيطاليا. ولا يستبعد أن ينتشر الوباء في دول أخرى، بعدما أصبحت اللعبة تستهوي البعض، الأمر الذي يضمن لهم الرواج والشهرة من ناحية، ويحقق غرضهم في استفزاز المسلمين واستثارتهم إلى جانب تشويه صورتهم الذي تتكفل به انفعالات بعض الغاضبين التي يتعذر التحكم فيها. خصوصا أن شرارات الغضب تنتشر في العالم الإسلامي بأسره. حتى إذا كانت محاولات التجريح والإساءة مجرد حلقة حديثة في المسلسل المستمر منذ نزول الرسالة على النبي محمد عليه الصلاة والسلام، فإن ذلك لا ينبغي أن يقابل بالسكوت، ويستحق الغضب لا ريب. لذلك فإنني أعذر الغاضبين وأتضامن معهم في موقفهم، لكنني أختلف مع طريقة التعبير عن تلك المشاعر. وإذ أقدر مواقف الجهات الرسمية أو المؤسسات الدينية في المجتمعات الغربية التي استنكرت دعوات إساءة المقدسات الإسلامية، إلا أن ذلك لا ينبغي أن يثنينا عن الغضب وإن ساعدنا على تحديد وجهته. في هذا السياق يتعين علينا أن ندرك أن أغلب السياسيين في الدول الغربية لا يكنون ودا أو احتراما للعرب والمسلمين، وأن كفة حسابات المصالح عندهم أرجح بكثير من كفة القيم والمبادئ. وموقفهم الظالم من قضية فلسطين مكشوف للكافة، كما لم تعد خافية مساندتهم للأنظمة المستبدة في العالم العربي مادام ذلك يحقق مصالحهم. ولا أحد ينسى أن البرلمان الفرنسي (الجمعية الوطنية) قرر في إحدى جلساته أن يحسم قضية تاريخية تتعلق بدعوى إبادة العثمانيين للأرمن أثناء الحرب العالمية الأولى، ولم يبال بتفجير أزمة سياسية مع تركيا، لمجرد رغبة الرئيس السابق نيكولاى ساركوزى في كسب أصوات 100 ألف شخص من أصول أرمنية يعيشون في فرنسا. لا نضيف جديدا إذا قلنا إن حسابات المصالح هي التي تحرك أغلب إن لم يكن كل الساسة الغربيين. لكنى استعدت تلك الخلفية لكي أدعو إلى مخاطبتهم بنفس اللغة. أعنى أنه مادامت المصالح هي التي تهمهم قبل أي شيء آخر، فلماذا لا نتوجه بغضبنا نحوها، لكي نوصل إليهم رسالة توجعهم ردا على إهانة مقدساتنا، وهى رسالة للمتحاملين وإنذار في الوقت نفسه للذين تراودهم الرغبة في الانضمام إلى المتطاولين والكارهين. لقد ثبت أن المظاهرات الصاخبة تظل فرقعات في الهواء لا تقدم ولا تؤخر. وتبين أن الاعتداء على السفارات أو على دبلوماسيي الدول المعنية الضرر فيه أضعاف النفع، فضلا عن أنه يعد من قبيل التصدي لجريمة بارتكاب جريمة أخرى. لذلك أزعم أن مقاطعة منتجات وسلع الدول التى يشترك مواطنوها في حملة الإساءة توصل الرسالة الموجعة بأسلوب رصين ومتحضر، ليس فيه ضجيج ولا تسلق لأسوار السفارات ولا إحراق السيارات التي تقف أمامها. إن البعض يستسهلون استخدام الحناجر واستهداف السفارات وإثارة الزوابع الإعلامية. وهناك آخرون يزايدون على الجميع في ذلك لصرف الانتباه عن مشكلات أخرى تواجه مجتمعاتهم، لذلك فإنني صرت أتعامل بحذر وتوجس مع الصيحات التي تتردد في الفضاء والتشنجات التي نراها على شاشات التليفزيون بين الحين والآخر داعية إلى نصرة رسول الله والتعبير عن محبته والغيرة عليه. لكنني أزعم أن النصرة الحقيقية تكون بتحمل مسئولية اللجوء إلى عمل جاد ورصين يوصل رسالة الإدانة والغضب إلى المتحاملين والكارهين، ولا أجد سبيلا إلى ذلك سوى إعلان مقاطعة السلع التي تنتجها تلك المجتمعات من خلال حملة شعبية واسعة النطاق تشمل أوسع دائرة ممكنة من العالم العربي والإسلامي. اتهم إذا لجأوا إلى السخرية والغمز والإسفاف في تجريح مقدسات المسلمين، فبوسعنا أن نلقنهم درسا قويا يرد على الإساءة بضرب المصالح، بمنتهى البلاغة والرصانة والهدوء. وحينذاك سنرد الصاع صاعين، وربما أكثر.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.