لا تتوقف الإدارة الأمريكية منذ إعلانها عن خطتها للسلام في الشرق الأوسط (صفقة القرن) في يناير الماضي، عن الحديث والمطالبة بضرورة وجود قيادة فلسطينية جديدة، واستبدال الحالية بشخصيات شابة، و"أكثر مرونة" في التعامل مع الحلول المطروحة.
وتحمل الدعوات الأمريكية تصريحاً واضحاً على عدم رغبة إدارة الرئيس دونالد ترامب في التعامل مع الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، حيث جاءت آخر تلك المطالبات على لسان مستشار الأمن القومي الأمريكي، روبرت أوبراين، من خلال دعواته إلى إيجاد قيادة فلسطينية من "الجيل الجديد".
أوبراين يرى، في تصريحه لبرنامج "ذا هاغ هويت راديو شو" الإذاعي الأمريكي (الجمعة 4 سبتمبر)، أن المشكلة تكمن في بعض القيادات القديمة المتحصنة بمنظمة التحرير الفلسطينية.
وتحتاج الإدارة الأمريكية، حسب أوبراين، إلى وجود جيل جديد من القادة الفلسطينيين "شبان يريدون مستقبلاً رائعاً إلى جانب أشقائهم العرب وجيرانهم الإسرائيليين"، وهو ما يعني نفض إدارة ترامب يدها من عباس.
وسبق حديث أوبراين تصريح من جاريد كوشنر، كبير مستشاري الرئيس الأمريكي، قال فيه: إن "الشعب الفلسطيني يحتاج إلى قيادة قادرة على تحقيق حياة أفضل".
كوشنر وجه حديثه للفلسطينيين خلال تصريحه لقناة الجزيرة (الأربعاء 2 سبتمبر) بأن العالم يريد لهم حياة أفضل، لكن لا بد أن تكون لديهم قيادة قادرة على ذلك".
ترامب كذلك لم يخفِ، منذ إعلانه صفقة القرن، حاجة الفلسطينيين إلى قيادة جديدة، واستخدامه لغة تهديد ضد عباس من خلال ربطه الوقوف إلى جانبه ومساعدته بقبول "صفقة القرن" وإعطائه 4 سنوات لدراستها.
كذلك، سبق أن ألمح السفير الأمريكي في "إسرائيل"، ديفيد فريدمان، إلى استبدال الرئيس الفلسطيني ما لم يتفاوض مع دولة الاحتلال الإسرائيلي.
فريدمان قال في حديث سابق نقلته القناة العاشرة الإسرائيلية: إنه "إذا لم يقبل عباس الانخراط في مفاوضات مع إسرائيل فسيتم إيجاد بديل له يملأ الفراغ الذي سيحدثه".
إجماع فلسطيني
عضو اللجة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية أمين عام "حزب الشعب"، بسام الصالحي، يؤكد أن الدعوات الأمريكية لإيجاد قيادة فلسطينية جديدة، تأتي ضمن تعزيز الاحتلال الإسرائيلي، وتصفية حقوق الشعب الفلسطيني بالتعاون مع "إسرائيل".
وتعمل الإدارة الأمريكية الحالية، حسب حديث الصالحي، على اختلاق قضايا بين الحين والآخر من أجل تمرير مخططاتها المخالفة لقرارات الأمم المتحدة، ومصالح الشعب الفلسطيني، من خلال الادعاء بأن المشكلة تكمن في القيادة الفلسطينية الحالية.
ولا يمكن للقيادة الفلسطينية، كما يبين الصالح، أن تكون أداة في يد الولايات المتحدة ومشروعها الذي يهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية، "لذا ما يتم طرحه مرفوض جملة وتفصيلاً".
ويوجد إجماع فلسطيني على الرئيس عباس، وفق الصالحي، حيث أجمع الأمناء العامون للفصائل الفلسطينية خلال اجتماعهم عبر الهواء مباشرة على الرئيس كممثل للشعب الفلسطيني، إلى جانب وحدة القرار الفلسطيني، حيث يوجد إجماع فلسطيني عليه كرئيس.
ويستدرك بالقول: "خلال اجتماع الأمناء العامين اتفق الجميع على القرارات التي اتخذها الرئيس الفلسطيني ضد صفقة القرن، وخطة مشروع الضم، والتطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي".
الشخصيات المطروحة
وحول الأسماء المطروحة لتشغل منصب الرئيس بدلاً من عباس، سبق أن طرح الإعلام الإسرائيلي ثلاثة أسماء؛ هم مروان البرغوثي المعتقل في سجون الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 2002، والمحكوم بعدة مؤبدات.
والشخصية الثانية هو جبريل الرجوب، رجل الأمن في السلطة الفلسطينية، وحاكم الضفة الغربية إبان حكم الراحل ياسر عرفات، حين كان مديراً لجهاز الأمن الوقائي، والثالث محمد دحلان، رجل الإمارات، التي تُعد أبرز ممولي الصفقة، واتفاق التطبيع الأخير.
صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية كشفت، في 26 يناير 2020، أن "صفقة القرن" ستشمل "مرحلة تحضير" مدتها 4 سنوات انطلاقاً من قناعة أمريكية بأن الرئيس عباس سيرفض تنفيذها، لكن ربما يقبلها خليفته.
كذلك، عادت الصحيفة العبرية للتحدث في عددها الصادر (السبت 15 أغسطس الماضي)، عن وجود وجه آخر للاتفاق الإماراتي الإسرائيلي الأمريكي، لم يُذكَر بعد إعلان التطبيع الكامل، وهو إيصال دحلان إلى كرسي الحكم.
الصحيفة أكدت أن الخطة الكبرى للرئيس ترامب، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، هو إعداد "فخ" للرئيس الفلسطيني ولخلفائه المحتملين، وهو ما يعني تقديم دحلان كرئيس للسلطة الفلسطينية.
وتعود رغبة هؤلاء الزعماء في تصدير دحلان ليكون رئيساً، وفق الصحيفة الإسرائيلية، إلى أن المحيط الأقرب من ترامب قد مل عباس، إضافة إلى أن نتنياهو لا يصدقه في أي كلمة، مع معرفة مستشار ولي عهد أبوظبي للمنطقة بشكل جيد.
وأردفت الصحيفة الإسرائيلية: "هم سيسمحون لعباس وكبار السلطة أن يتفجروا غضباً، وعندما يغادر، سيتجندون لتنصيب الزعيم الجديد على الكرسي".
وإلى جانب ما جاءت به الصحيفة الإسرائيلية، كشف تقرير صادر عن موقع "دار الحياة" الإخباري ومقره الأردن، ونشر (الجمعة 14 أغسطس)، عن وجود نقطة كبيرة في الاتفاق للرئيس عباس حول عودة دحلان إلى الساحة السياسية الفلسطينية.
ضغط أمريكي
المحلل السياسي عاهد فروانة، يرى أن حديث الإدارة الأمريكية عن ضرورة وجود قيادة فلسطينية جديدة، يأتي ضمن محاولات من أجل الضغط على القيادة الفلسطينية بعد موقفها القوي والصارم، عقب عملية التطبيع التي جرت بين الإمارات و"إسرائيل".
وتريد الإدارة الأمريكية، حسب حديث فروانة، القول للفلسطينيين بأن "لديها خيارات أخرى وتستطيع تغيير القيادات كما تريد، وتكرر ما فعله جورج بوش الابن حينما حاصر الرئيس الراحل ياسر عرفات، بالتعاون مع رئيس وزراء الاحتلال الراحل أرئيل شارون، وإبعاده عن القرار الرسمي الفلسطيني".
وشكل الموقف الفلسطيني من التطبيع الإماراتي الإسرائيلي، كما يوضح فروانة، مصدر إزعاج كبير، لذا عادت الولايات المتحدة للتلويح بتغيير القيادة الحالية كما فعلت في العديد من الدول العربية.
وحول الأسماء المطروحة لتكون بديلة عن عباس، يقول فروانة: "تم التلويح باسم دحلان المقيم في الإمارات أمام القيادة الفلسطينية، وهو أكثر الشخصيات المتداولة، ولكنها محاولة يائسة لأن الفلسطينيين يدركون المخططات التي تهدف إلى تمرير صفقة القرن".