أوصت دراسة علمية بضرورة تطوير التشريعات الصحفية الفلسطينية لمواكبة البيئة الاتّصالية الجديدة، حيث أن المنظومة القانونيّة الفلسطينية الخاصّة بقطاع الإعلام تشكو الكثير من الإشكاليات، إذ تعتمد على قوانين قديمة ومقتصرة على مجالات إعلامية محددة.
وأكدت الدراسة أن البيئة الإعلاميّة الجديدة تحيلنا إلى ما ستؤول إليه مهنة الصحافة من زعزعة لمرجعياتها الكلاسيكية، ولن يكون الحديث عن الموضوعية بشكلها الكلاسيكي بل الحديث عن الأخلاقيات المدمجة في بيئة الميديا الجديدة، وأمام هذا الزخم في تدفق الأخبار في عصر وسائل الاتصال الحديثة، أصبحت مسألة الأخلاقيات تطرح بشدة كمقترح يتعلق بالتعايش المشترك، وخاصة احترام مجموعة من الواجبات ضمن قواعد المسؤولية الاجتماعيّة. وأوضحت الدراسة التي أنجزها الباحث الفلسطيني أحمد حمودة أنه لا يوجد سوى قانون المطبوعات والنّشر الصّادر عام 1995، وهو قانون خاصٌّ بالمطبوعات والنشّر أي بالصّحف والمجلّات الورقيّة، ونظام ترخيص المحطات الإعلاميّة الذي صدرت نسخته في عام 2018 والذي ينظم جزئيًا عمل الإعلام المرئي والمسموع. وحتّى مشروع قانون الحقّ في الحصول على المعلومة الذي أقرّه مجلس الوزراء الفلسطينيّ عام 2013، وكان من المفترض أن يتمَّ التّوقيع عليه وإقراره من قبل المجلس التّشريعيّ والرّئيس الفلسطينيّ، بقَى حبرًا على ورق ولم يرى النور للعديد من الاعتبارات السياسية الداخلية على وجه التحديد.
هذا إضافة إلى صدور قانون الجرائم الإلكترونيّة التي احتوت نصوصه على كثير من القيود على حرية الرأي والتعبير بوجه عام وعلى الحرية الإعلامية بوجه خاص، مما أثار العديد من ردود الأفعال الرافضة للقانون من المجتمع ومن الصحفيين الفلسطينيين.
ووفقا للباحث فإن الدراسة سعت إلى قراءة النص الوطني، خاصة في ظل الإشكاليات التي تواجه صحافة صانع المحتوى ونقدها. إذ اتّضح للباحث بأنّ هناك إشكالية رئيسيّةً تتمثل في غياب التشّريعات المنظّمة للعمل الإعلاميّ والصّحفي الفلسطينيّ في بيئة الاتّصال الجديدة، وربما يكون ذلك بسبب ما ورثَتّه فلسطين من القوانين والتّشريعات نتيجة التّباين والاختلاف في الأنظمة السّياسيّة التي استعمرتها واحتّلتها، والتي أثّرت على مختلف جوانب الحياة في المجتمع الفلسطينيّ وتشريعاته وقوانينه التي لم توضع أصلاً لخدمة مصالح الشّعب واحتياجاته المختلفة، إنّما وُضعتْ كما هو ثابتٌ من نصوصها وأحكامها لخدمة مصالح الدّول المستعمرة ورعاية حقوق أفرادها ومؤسّساتها. وتبعًا لذلك وجدت السّلطة الفلسطينيّة أمامها إرثًا باليًا من القوانين التي خلّفتها الأنظمة السّياسيّة التي حكمتها وأثّرت بشكلٍ أو بآخر على البيئة التّشريعيّة لقوانين الإعلام.
ودعت الدراسة المشرّع الفلسطيني إلى تعديل القوانين السارية وصياغة قوانين جديدة للاتصالات الرقميّة تُكرّس التّغيير الحاصل في مفهوم دور الدوّلة في تنظيم قطاعات الاتّصال والمعلومات وإدارتها، وتنظيم مسالك التّواصل والاحترام المتبادل وحقوق الملكيّة الفكرية للجميع لمواكبة التطورات الرقمية.
ويقودنا ذلك إلى طرح رؤية جديدة بتأسيس هيئة تسهر على مراقبة أخلاقيات المهنة في سياق تصاعد فيه نسق انتشار الأخبار الزائفة وانتهاك أخلاقيات الصحافة في فلسطين، لذلك سيكون من الضروري أن تكون الهيئة قادرة على أداء دورها في تعزيز أخلاقيات الصحافة وتمكين الجمهور من حقه في الحصول على المعلومة، من خلال تعزيز حرية الصحافة في فلسطين."، مما يساعد على الرقيّ بالقيمة الاحترافية للمؤسسات الإعلامية الفلسطينية في عصر الميديا الجديدة.
وللإشارة، قدّمت الدراسة العلمية في إطار أشغال الملتقى العلميّ الدولي السنويّ الذي نظمته جامعة أحمد دراية- أدرار بتاريخ 24-25 أكتوبر بالجزائر والتي جاءت تحت عنوان ” ضوابط صانع المحتوى الإعلامي الرقمي في سياقات القوانين الفلسطينية”.
والباحث الفلسطيني أحمد يونس محمد حمودة هو طالب في مرحلة الدكتوراه بمعهد الصحافة وعلوم الإخبار في تونس، وسبق أن نشرت له عديد المقالات والدراسات العلمية في المجال الإعلامي.