مع مرور الوقت، يظهر الاحتلال قلقا من تراجع الدعم الأمريكي، الرسمي والشعبي على حد سواء، وقد شكلت الأزمة الأخيرة المتمثلة بالإرباك الذي رافق الكونغرس في موافقته على دعم منظومة القبة الحديدية للاحتلال، وقبلها المظاهرات التي عمت المدن الأمريكية خلال العدوان على غزة، مؤشرات واضحة لا تخطئها العين عن اهتزاز صورة الاحتلال لدى الشارع الأمريكي، وصولا إلى دوائر صنع القرار.
لا تخفي "تل أبيب" انزعاجها من هذه المؤشرات، لأنها تحمل أبعادا استراتيجية على مجمل العلاقة التاريخية بين أهم حليفين، ما قد يقوي شوكة أعدائها على التجرؤ عليها من جهة، ويفسح المجال أمام نشوء تحالفات أخرى في المنطقة معادية لها، وفي الوقت ذاته يفتح أمامها الباب واسعا للحديث عما يعرف بـ"اليوم التالي" لانفراط عقد هذه العلاقة مع واشنطن.
آخر المحذرين من تراجع علاقة الاحتلال مع أمريكا هو جو ليبرمان، عضو مجلس الشيوخ لمدة 24 عامًا، ورئيس لجنة الأمن الداخلي والشؤون الحكومية، وترشح لمنصب نائب الرئيس الأمريكي، الذي أكد أن "التعاطف الأمريكي مع الاحتلال في أدنى مستوياته، رغم أن إدارة الرئيس جو بايدن تحمل موقفا إيجابيا للغاية تجاه الاحتلال".
وأضاف ليبرمان في مقابلة مع صحيفة معاريف، أن "أحد المؤشرات على تراجع الدعم الأمريكي للاحتلال يكمن في ظاهرة ليست مرئية للجميع من خارج أمريكا وهو نزعة اندماج المجتمع اليهودي في الولايات المتحدة، بالتزامن مع زعزعة اتصال اليهود الأمريكيين بدولة الاحتلال، لأن البعض منهم يشعر بأن قيمهم لا تُحترم فيها، رغم أنه لا يزال هناك دعم كبير للاحتلال بين اليهود الأمريكيين".
يمكن ربط تحذير ليبرمان بما يعتبره الاحتلال مساعي الترويج للدعاية المناهضة لهم في الكليات والجامعات والمؤسسات الأكاديمية الأمريكية، وهي ظاهرة آخذة بالتصاعد يوما بعد يوم، وهذا جزء من المشكلة، رغم بقاء كثير من الدعم من الأمريكيين غير اليهود، خاصة المسيحيين والإنجيليين، لكن بصورة إجمالية فإن التعاطف الأمريكي مع الاحتلال في أدنى مستوياته، ربما حتى منذ قيام الدولة قبل أكثر من سبعين عاما.
في هذه الحالة، تطالب أوساط الجانبين في "تل أبيب" وواشنطن ببذل مزيد من الجهود لتوطيد العلاقات بينهما، ما يزيد من حدة مطالبات الأمريكان لحكومة الاحتلال بأن تتحدث مع نظيرتها الأمريكية بالحقائق، في محادثات تحصل وجهاً لوجه، من أجل جسر الهوة في مواقفهما من جهة، وتبديد أي شكوك أمريكية بخروج الاحتلال عن التفاهمات المتفق عليها بينهما في مختلف الملفات.
صحيح أن بايدن لديه موقف إيجابي للغاية تجاه الاحتلال، وهو قريب جدا من الجالية اليهودية في أمريكا، لكن دولة الاحتلال ذاتها لا تتفق مع سياسته بشـأن إيران، ما يزيد أجواء القلق في "تل أبيب"، ويجعلها تفكر في خيارات أخرى لا تجد رواجا لها في واشنطن، وهذا فقط واجهة الخلافات بينهما.