من المفترض أن تنتهي اليوم الخميس مناورة "درع القدس" التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية وفي مقدمتها كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، والتي تأتي تزامناً مع الانطلاقة الرابعة والثلاثين للحركة، هذه المناورة المتقدمة تؤكد أن المقاومة بألف خير، وإن ثقتنا بها تزداد يوماً بعد يوم، وكلما تسلل الضعف أو اهتزت نفوس بعض الناس تجاه مسألة ما؛ خرجت علينا المقاومة بشيء يثلج الصدور ويرفع المعنويات ويعزز الثقة ويمتّن الجبهة الداخلية بطريقة ذكية.
هذه المناورة العسكرية النوعية؛ تعطينا إشارات ودلالات مهمة وترسل رسائل حساسة في وقت حساس وفي ظروف استثنائية يعيشها شعبنا الفلسطيني العظيم، وأول من يفهم هذه الدلالات هو الاحتلال الإسرائيلي وقادته العسكريين قبل السياسيين، وهؤلاء قبل غيرهم ممن ينضوون تحت عباءته.
كثير من دول وأقاليم وكيانات ترتجف خوفاً عندما يميل عليها الاحتلال بإملاءات أو عندما يسطو على سيادتها وينتهك حرمتها دون أن تنبس بكلمة واحدة؛ لكن المعادلة تختلف تماماً عندما نتحدث عن المقاومة الفلسطينية التي لا تعمل حسابات لهذا الاحتلال، بل تمرّغ أنفه في التراب في كل مرة أكثر من المرة السابقة.
ألم تروا كيف فعلت المقاومة بالاحتلال خلال معركة سيف القدس؟ ألم تروا كيف قلبت أمنهم إلى خوفٍ وأمطرت أحيائهم بآلاف الصواريخ؟ ألم تروا أن ذلك كان نقلة نوعية عما سبق؟ نقولها بكل فخر وعزة؛ بكل تأكيد نعم، لقد كانت الجولة الماضية ليست كالسابقات، كانت لها دلالات عميقة ضربتهم في شرايين قلوبهم، وهم يفهمون ذلك جيدا، بل ووصلتهم الرسالة وقتذاك بقوة السيف.
مناورة "درع القدس" جاءت على ذات السياق والنسق، جاءت تؤكد المؤكد، وتعزز المُعزز، وتردع الاحتلال من جديد، كانت صفعة جديدة على رأسه ليعيد حساباته تجاه أي حماقة قد يقدم عليها، أو أي تغوّل على شعبنا قد يتجرّأ عليه.
أثبت أبناء المقاومة أنهم على قدرٍ عالٍ من المسئولية الوطنية والجهوزية للردع، كانوا في كل ثغر مثالاً للانضباط، كأنهم يقولون لنا أن البوصلة تجاه الاحتلال والمواجهة هي الأولوية من أجل استعادة الحقوق والثوابت، بل ويؤكدون أن أصابعهم على الزناد لا تتزحزح، وأنهم جاهزون لأي مواجهة قادمة في ذات الإطار ولنفس الأهداف.
لم تكن مناورة "درع القدس" مناورة عابرة، بل حملت رسائل ودلالات مهمة على جميع الأصعدة، وضربت على الوتر الحساس للاحتلال، وستجعله يعيد حساباته ويفكر ألف مرة قبل أي خطوة قد يخطوها هنا أو هناك.
في أي وقت مضى كنا نحلم أن تضرب المقاومة "تل أبيب" أو مقر "الكنسيت" بالساعة التي تحددها هي وبمئات الصواريخ؟ منذ متى كان يتم تحديد وقت قصف الاحتلال بالثانية؟ إنها عزة المقاومة التي لا تعمل حسابات لأي أحد، بل إن أهدافها الوطنية التي يلتف حولها شعبنا هي على سلم الأولويات.
لم تعد المسألة والميدان الآن كما كان في السابق؟ لقد تراجع الاحتلال وانهزت صورته، وتغيرت المعادلة، وفي نفس الوقت تقدمت المقاومة، وباتت تفرض أوراقها على الطاولة بقوة السلاح والمنطق، وباتت كلمة المقاومة هي العليا، وكلمة الاحتلال هي المكسورة.
قريبا سنرى واقعاً جديداً تفرضه المقاومة التي تتقدم في كل يوم عن اليوم الذي سبقه، ونحن على ثقة كبيرة بها وبقيادتها وبغرفتها المشتركة، ونحن على ثقة كذلك بأنها هي أمل الأمة التي ستعيد أمجاد الماضي، وأنها هي من ستحرر الأسرى والمقدسات وكامل التراب الفلسطيني الطاهر.