بعد المغرب ومع إطلالة الظلام, لبس حسين بِنْطَالَهُ الأزرق "الكابوي" الذي يشتهر به عمال "إسرائيل" مع قميصه الواسع, وحذائه الكبير الغليظ، ولَمْلَمَ ما تبقى معه من دراهم معدودة, ثم تناول زجاجة العطر التي اشتراها مؤخراً من سوق فراس بسبعة شواكل فقط, وتعَطَّر، وخرج من البيت وسط تعجُّب كبير من زوجته والتي على ساحلها سؤال كبير "وين رايح حسين؟". دخل حسين محل "الوطن" المتزين بما لذ وطاب من الرايات والألقاب, وصور القادة والرؤساء, والفصائل والزعماء, من "مِيداليَّة " حنظلة, حتى صورة عباس, نظر إلى وجه البائع, وقال له أريد صورتين كبيرتين بإطاريْهِما لرئيس الوزراء اسماعيل هنية, ورئيس دولتنا العظيمة محمود عباس... استغرب البائع وسأله: كيف ستجمع النقيضين في آن واحد؟! لم يجب حسين, وأظهر ضحكة مخفية بكشرة خفيفة دفع الثمن وخرج بالصورتين, دخل المنزل, ووضع الصورتين في الصالون, أطفأ الأضواء وطلب من زوجته أن توقد 65 شمعة بعدد سنوات نَكْبَتِهْ, ووضعها تحت الصورتين, وبدأ بخطاب الرئيسين المبجلين.... "سادتي العظماء, يا أصحاب العز والكبرياء, سيادة دولة رئيس الوزراء بحضور سيادة رئيس الدولة الخالية من الأعضاء, تكلَّمْتُمْ كثيراَ وسمعناكم طويلاً, اسمعوني برجاء الرجاء.... جمعتكم على انفراد بجانب بعضكم البعض, وعلى ضوء الشموع والرومانسية العذبة.... لا أريد منكم الاصطلاح ولا الاتفاق..... أريد من سيادتكم تلبية حاجاتي وليس رغباتي, ضرورياتي وليس كمالياتي..... أنا محتل منذ عشرات السنين, اجلس بين "الفَلَسْ" و"الطِّيِن"، حدثتموني عن وطني بما يكفي لأن أكون أمير المؤمنين, ولكني اليوم عاطل عن العمل فقير ومسكين، وصوركم هذه اشتريتها دَيْناً في دَيْنْ"، في المخيم أعيش, شقيقي أسير, والكبير شهيد من الانتفاضة الأولى, وبيتي صغير, وزوجتي أيضاً من الانتفاضة الأولى, الكهرباء سيئة, والمياه أيضاً, وكذلك المجاري, والشوارع, ونحن عاطلون عن العمل....... "من الآخِرْ" ها أنتم بجانب بعضكم, اصطلحوا واتفقوا ولن تخرجوا من هنا, والله والله لن أقدم لكم الطعام أو الشراب لتكونوا أمام خيارين إما أن تتفقوا أو تموتوا...."