آه لو عاد الماضي-... عجوز قديم "مهترئ" يخرجها من حنجرته الصوتية المرتجة، مع زفير يكشف مدى حنينه إلى الماضي رغم قسوته ومرارته... بيوت من الأسبستوس، وجدران من رمل البحر مليئة "بالزَّلف"، الجو داخلها حار صيفاً بارد شتاءً... ملابس قديمة كان يَتَحَصَّلُ عليها من باب "الطُّعْمَةَ" -وكالة غوث وتشغيل اللاجئين-، قليل من الطعام "الشاطر اللِّي بيلاقيه".. كانت الهموم كبيرة، ومشاغل البحث عن مكان للاستقرار، أو لقمة للعيش "الشغل الشاغل". معاناة وفقر. لكنها أيام جميلة.... تباً لجمالها وما الجمال فيها أيها العجوز المهترئ؟! كنتم تعيشون بدون انترنت ولا فيس بوك، بدون سيارات ولا حافلات، بدون مكيفات ولا تلفزيونات، بدون جولات ولا تليفونات، وبدون نشرات أخبار، ولا برامج سياسة، حتى بدون "نكَّاشات وفرشاة للأسنان"... شو قصتك؟! عاد لتنهيدته وانحنى على جانب فرشته الممتلأة بالصوف مع القطن مع قليل من الثياب القديمة الممزقة –هذه حشوتها- وقال: كانت الحياة قاسية لكنها جميلة، كانت الخوازيق أقل، والوطن واحد، والشعب واحد.... لم نكن بحاجة للإنترنت، فقد كنا نشارك الجميع فرحتهم، نغني في الأعراس عالميجانا, والعتابا, ويجتمع الناس حولنا، كلهم بدون استثناء، ولا حزبية. أما المكيفات هذه التي "تُكَسِّر" الظهر، لم نكن بحاجتها، قليل من الهواء البارد تحت شجرة الجميز بجانب احدى البيارات مع كوب من الشاي على النار أفضل من كل شركات التَّكييف، ثم لا حاجة للجوالات والتليفونات، كانت النسوة يطفْنَ في بيوت الحي، كل منهم يحمل كيساً من السكر "رَطِلْ" أو "رَطْلَاً" من الدقيق، ويأتين بأخبار أهل الحي كلها في المساء، كانت سُفْرَتُنَا متنوعة، رائحة البامية مع الريحان تهَفْهِفْ في الحي ظُهراً، وبعد قليل تراها على مائدة طعامك الصغيرة... لا حاجة للأخبار أيها المُتَعَوْلِم.... فالقضية واحدة، فلسطين محتلة ويجب تحريرها، والخازوق شربناه..... لقد أصبحت القضية قضايا، والاستراتيجية استراتيجيات، والوطن مليار شارع وزقاق، ومئات الآراء والاتجاهات، فتعددت الخوازيق.... يا ليتنا نعود للماضي؟! [title]فعلاً عجوز "مْخَرْفِنْ"... طيب وأنا مالي ومال ماضيك يا سيدي. [/title]