23.27°القدس
23.01°رام الله
21.64°الخليل
27.55°غزة
23.27° القدس
رام الله23.01°
الخليل21.64°
غزة27.55°
الثلاثاء 30 يوليو 2024
4.78جنيه إسترليني
5.24دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.02يورو
3.72دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.78
دينار أردني5.24
جنيه مصري0.08
يورو4.02
دولار أمريكي3.72

خبر: تسديد آلي

تبدع الهيئات الخدماتية الرسمية والخاصة في تحصيل مستحقاتها المالية من المواطن بطرق سهلة حتى أصبحت ظاهرة التسديد الآلي أفضل وسيلة تصل بها الأموال من الراتب إلى الشركات مباشرة قبل أن تصل جيب المواطن على اعتبار أن جيبه أمّارة بالصرف وأن سلوكه ذا نزعه استهلاكية مستباحة. مثلا، تجتهد حكومة رام الله وحكومة غزة في خصم مستحقات فاتورة الكهرباء من الراتب, وتقدم شركة توزيع الكهرباء عروضا مغرية على قاعدة: "شكل بإيدك ولا الزمان يكيدك"، فالدفع بالتسديد الآلي أو عداد مسبق الدفع. وفاتورتا الجوال والهاتف أيضا تحصلان بالتسديد الآلي أو وفق نظام "الكرت مسبق الدفع", وفي كل الأحوال "الاتصالات ضامنة حقها"، وهي تغني للمواطن خصوصا في غزة: "حتيجيني يعني حتيجيني.. فاتورة أو كارت, صوتك في إيدي". وهناك من يسدد فاتورة المياه آليا, والضريبة آليا, والتأمين آليا, والترخيص آليا، وثمن الأجهزة آليا, والبيت آليا, وحديثا أصبح تسديد تكاليف العبادة آليا بأداء العمرة عن طريق البنك. ورغم أن الآلية تريح شرائح من الموظفين خصوصا الأزواج, فإن التسديد الآلي أصبح ضرة للزوجات, وهو "يحننهن للزمن الجميل" عندما كانت الواحدة منهن تتلقف الراتب بكامله, فتصرف أو تدخر, وتبذر أو تبخل.. المهم أن تمارس كامل صلاحيات وزارة المالية في البيت. في المقابل، وزارات المالية الحكومية تستصعب الالتزام كالمواطن بطريقة التسديد الآلي لرواتب الموظفين ومستحقاتهم, فأصبحت تتبع أسلوب التسديد بالتقسيط, أو التسديد وفق السيولة, أي طبقا للمانحين والداعمين والمتصدقين, فالتسديد بمقتضى رضا "الأمريكان والإسرائيليين". لهذا أصبح المواطن يسدد فاتورة عمره آليا, فلا يشعر بالأيام والأسابيع والشهور لأنها تمر وفق الدورة الشهرية لما يتبقى من الراتب المصروف مسبقا في انتظار أول الشهر القادم. ورغم سياسة "الآلي" هذه فإن المواطن "أبو ياسر" اتصل على الصحيفة شاكيا باكيا, لأن فاتورة الكهرباء تطارده رغم أنه من أصحاب التسديد الآلي, ولأن خطأ الشركة مردود أما خطأ المواطن بغرامة، فقد تغيب عن عمله ليوم كامل, وهو يلف "السبع لفات" لحل المشكلة, وإقناع الشركة بخصم قيمة فاتورة كهرباء تاجر مواد بناء يلاحقه مطالبا بديونه, في حين أن الحكومة "مديونة بمستحقات أبو ياسر". أما نحن، فقد أقنعنا المواطن الغاضب بأن الحكومة أحرص منه على أمواله, لأنها تدخر لليوم الأسود, ولأن "إيده فرطه والجيبه مخرومة", و"اللي عند الحكومة ما بيروح". على أي حال، لم يعد هناك قرش أبيض ينفع في اليوم الأسود في ظل التسديد الآلي من الحساب الجاري بعدما فقد المواطن السيطرة على جيبه, لأنه مصاب بإدمان استهلاكي. أصبح التسديد الآلي وصيا على أموال المواطن بعدما فقد أهلية إدارتها، لأنه نسي نصائح الأجداد وعاداتهم: "اللي يعتمد على مداس جاره يمشي حافي" ، و"اللي ما خبى لدهره يضربوه بالعصا على ظهره"، و"اللي يوفر من غداه لعشاه ما تشمت فيه اعداه".