20.55°القدس
20.27°رام الله
19.42°الخليل
24.53°غزة
20.55° القدس
رام الله20.27°
الخليل19.42°
غزة24.53°
الأحد 13 أكتوبر 2024
4.91جنيه إسترليني
5.31دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.12يورو
3.76دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.91
دينار أردني5.31
جنيه مصري0.08
يورو4.12
دولار أمريكي3.76

خبر: يا لَها مِن مِيتةٍ سَوِيّة

أعمار الأمة المحمدية بين الستّين والسبعين، وقليلٌ منهم ما يتجاوز عمره ذلك، والكيّس الفَطِن من يغتنم هذه الأوقات ويُعمر دنياه بالقربات، ويَعضّ على دينه وأخلاقه وقِيَمه حتى يلقى ربه راضياً مرضياً، لن أكون هنا شاعرياً عاطفيا، ولن أكون خطيبا، ولن أجترّ العواطف أو أستثيرها، لكنها لحظات قلّما يعيشها الواحد منا، استمعت لخطبةٍ أبكتني وأبكت جموع الحاضرين وعلى مدار خطبة الجمعة، هنا في غزة الجريحة وفي أحد مساجدها وبلا موعدٍ مسبق ساقتني الأقدار هناك بلا حول مني أو قوة مثل ما ساقتني الأقدار لكتابة هذا المقال ، وقف خطيب الجمعة على منبره وبصوت خافت تحدث ، لم يُهدد أو يتوعد، ولم يُزمجر أو يتصنع أو يتكلف ، حكى قصصاً عن حسن الخاتمة حدثت في غزة ، ما أروعها ! وما أعظم أثرها ! واحدةٌ لشابٍ من الجنوب يعظ الناس ويخطب فيهم ويذكرهم بالله ، ويدعوهم إلى كل فضيلة، ثم يَؤم فيهم ويركع ويرفع من ركوعه ثم يسجد لكنه لم يقم من سجوده ، يا الله مات على هذه الهيئة!! ويلقى ربه يوم البعث كذلك ، وثانيةٌ تحدث مع إمام آخر في منطقة الدرج أيضا يموت وهو يصلي في الناس إماما، وثالثة لفتاة صالحة من منطقة الرمال بغزة ، تخرج مسافرة إلى السعودية بعد خطبتها من شاب ليُكملا حياتهما وعند وصولهما السعودية طلبت منه أن تبدأ حياتها الجديدة بعمرةٍ تقرباً إلى الله ، وما أن لبست زِيّ الإحرام قاصدة البيت العتيق إذ بحادث طرق يَخطف حياتها وتلقى ربها بلباس الإحرام، إنها قصص واقعية حدثت في غزة الشهر الماضي ، ولِعظم الموقف فإنني أعزّي أهلهم وذويهم ، لكنني أهنؤهم بذلك لأن ما حدث لذويهم إنما هو علامة خير وصلاح ، إنها لحظات هامة وحاسمة ومفصلية في حياة الجميع ، الغني والفقير ، الكبير والصغير ، الغفير والوزير، لا فرق بينهم كلهم سواء ، أبيضهم وأسودهم ، سيدهم وحقيرهم ، المتعلم والجاهل ، والتاجر والعامل ، الكل سيلقى ربه ، شاء الواحد منا أم أبى ، قاتل وجاهد أو اختبأ وانزوى ، عاش منعّماً ومكرما ، أو مبتلى ومعذبا ، لكن الأهم من ذلك هو كيف سيلقى الواحد منا ربه ، وكيف يغادر هذا العالم المشهود إلى العالم الغيبي ، وكيف سينتقل من الحياة الدنيا الى الحياة الأبدية الأزلية السّرمدية ، إنها قصص واقعية لحسن الخاتمة ، ليست للتسلية والمتعة ، لكنها للعبرة والذكرى ، إنها ذكرى لكل من له قلب ، أو ألقى السمع وهو شهيد ، ذكرى لكل من يتاجر بعذابات الناس ، وذكرى لكل من يكذب على الناس ويخون ، في الدنيا ربما يستطيع سياسي أن يكذب على شعبه ، وربما يستطيع صاحب مال أو جاه أن يشتري اللّحى والذّمم ، وربما يكون الواحد دُميةً لكنه مقبول بين الشعوب والأمم ، وربما يُصالح الواحد شرق الدنيا وغربها لكنه بغبائه يهجر ذويه وشعبه ، وربما يستطيع ساقط أن يتتبع عورات المسلمين ، وربما يرتضي عاشق شهرةٍ أو مالٍ أن يأكل حق غيره وماله ، كل ذلك وأكثر ربما يحدث في الحياة الدنيا ، لكن في ساعة الحسم ، وفي ساعة اللّاعودة ، لا المال ولا المنصب ولا الشهرة ولا الشهوة تنفع ، وما غير العمل الصالح ينفع ، وفي قِصص سوء الخاتمة عبرة لأولي الالباب.