11.68°القدس
11.44°رام الله
10.53°الخليل
15.41°غزة
11.68° القدس
رام الله11.44°
الخليل10.53°
غزة15.41°
الخميس 26 ديسمبر 2024
4.58جنيه إسترليني
5.15دينار أردني
0.07جنيه مصري
3.81يورو
3.65دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.58
دينار أردني5.15
جنيه مصري0.07
يورو3.81
دولار أمريكي3.65

خبر: معضلة حماس في سوريا

معضلة حقيقية تعيشها حركة حماس في سوريا. فهي إن انحازت إلى نظام الأسد في قمعه الدموي لمظاهرات الحرية والانعتاق تكون قد وجهت طعنة نجلاء لنفسها ومكانتها وقضيتها. وهي إن انحازت علانية وبوضوح إلى مطالب الشعب السوري المشروعة بالانفكاك من حكم نظام عائلة الأسد، فإنها تكون أيضا قد وجهت طعنة من نوع آخر لنفسها واستقرارها في المنطقة، وأخطر من ذلك لأمن أكثر من 475 ألف لاجئ فلسطيني يعيشون في سوريا اليوم. بعض المقربين من حماس كان يقارب الضبابية والتردد في بعض مواقف الحركة في قطاع غزة زمن حكم الرئيس المصري المخلوع، حسني مبارك، بـ"لعنة الجغرافيا". تلك "اللعنة" لم تنته إلى اليوم، وهي لا تنحصر في قطاع غزة المنكوب وحسب. أوليست حماس في الضفة الغربية تعيش "لعنة التنسيق الأمني" بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل؟ أيضا، أوليست حماس مطاردة بـ"لعنة الاستهداف" و"التجريم" الدولي؟ وهل توقفت يوما محاولات تدجين الحركة وإرغامها على الاعتراف بإسرائيل والتسليم بهزيمة "الحق الفلسطيني"؟ وهكذا، يغدو وضع حماس في سوريا رهينة أيضا لسياق آخر من "اللعنات" السياسية والجغرافية والإستراتيجية على السواء. إنها "لعنة المتاجرة" بفلسطين وقضيتها من قبل بعض التجار العرب واللاعبين الإقليميين الآخرين، في مقابل متاجرة محور عربي آخر "بِدَكِّ" الفلسطينيين على رؤوسهم لتحصيل رضا السيد الأميركي. بل إن قضية فلسطين ومنذ ولادتها تمثل تعبيرا أبرز عن "لعنة الهوان" و"لعنة التآمر" من بعض العرب. أم هل يا ترى اختار الشعب الفلسطيني أن يُنْكَبَ نيابة عن أمة العرب في أرضه ووطنه وينتهي به الحال إما تحت احتلال أجنبي غاشم، أو لاجئا في أصقاع الأرض قريبها وبعيدها خائفا مترقبا من نزق أصحاب الدار "الأصلاء"؟ [title]لماذا في سوريا؟[/title] لم تختر حماس دمشق ابتداء لتكون مقر قيادة الحركة في الخارج، بل إن "لعنات" التاريخ والجغرافيا والسياسة والارتهان والتواطؤ هي من اختارت لها. كانت قيادة المكتب السياسي للحركة في عمان/الأردن منذ بواكير التسعينيات، وكان كثير من أعضائه، وعلى رأسهم رئيسه الحالي، خالد مشعل، يحملون الجنسية الأردنية وما زالوا. حينها عملت معطيات عدة حسب المقاربة الرسمية الأردنية، التي لا مجال للتفصيل فيها هنا، لصالح تواجد قيادة حماس في الأردن. غير أن هذا التواجد الحمساوي لم يكن هادئا دائما، بل إن جَزْرَهُ كان أكثر من مَدِّهِ، والتوتر والتصعيد من قبل النظام هو طابعه الغالب. كان الإطار الجامع للتوتر بين الطرفين يتمثل في رفض حماس أن تكون أداة طيعة بيد النظام، والذي كان هو بدوره تحت ضغوط غربية وإسرائيلية وفلسطينية للجمها. وكانت وفاة الملك حسين في فبراير/شباط 1999 تدشينا لمرحلة جديدة لنظرة الأردن لدوره الإقليمي، ومن ضمن ذلك مقاربته للضفة الغربية وعلاقة الأردن بالحركة. وهكذا انتهى الأمر بطرد قادة حماس من الأردن في نوفمبر/تشرين الثاني 1999. حينها تقطعت السبل بقادة حماس. فمن سيقبل باستضافتهم الآن وهم قادة حركة مطلوب رأسها في الغرب وإسرائيل، بل وفي كثير من العواصم العربية؟ وفي غمرة تقدير الموقف جاءهم العرض السوري المغري: أنتم مرحب بكم في دمشق إن أحببتم. طبعا لدمشق ميزات كثيرة: فهي في قلب المنطقة وقريبة من فلسطين. وسقفها التفاوضي مع إسرائيل مرتفع مقارنة بالأردن ومنظمة التحرير. كما أن سوريا بلد مضيف لأعداد كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين. والنظام السوري على خصام سياسي وتاريخي مع قيادة منظمة التحرير، والتي كانت سلطتها في الضفة الغربية وقطاع غزة تذيق حماس الأمرين حينئذ. وإذا كانت هذه حسابات الـ"مع" فإن حسابات "الضد" كانت أيضا حاضرة في مقاربة حماس. ويكفي هنا التذكير بالعلاقة الدموية بين النظام البعثي السوري وفرع الجماعة الإخوانية في سوريا مطلع الثمانينيات. فضلا عن تخوف حماس من أن تجد نفسها ضحية لضغوط النظام السوري. على أي حال، فإن ميزات العرض هذه المرة، خصوصا بعد الأخذ في الاعتبار ظروف الحركة ورمي الجميع لها عن قوس واحدة، دفع بها لقبول العرض السوري، وهو الأمر الذي أتاح لها استقرارا سياسيا نسبيا لأكثر من عقد من الزمان. وكما وجد النظام السوري في حماس عضدا لزعم "ممانعته"، وجدت حماس في النظام السوري في المقابل داعما وسندا إلى حد معقول. [title]في قلب العاصفة[/title] رأت حماس في الثورات العربية المتوالية بارقة أمل لتعزيز وضعية فلسطين عربيا، كما تأملت، أن يكون "الربيع العربي" كله خيرا لها ولفلسطين. وكذلك حاول النظام السوري عبثا أن يوهم نفسه بأنه محصن ضد "عدوى التغيير"، بزعم أنه نظام "ممانع" متسق مع نبض الجماهير. غير أن الشعب السوري كان على اطلاع على الجانب المعتم من الصورة. فَزَعْمُ "الممانعة" التي يتشدق بها النظام وُظِّفَتْ لتبرير القمع والإهانة والفساد والتسلط الداخلي. وهكذا انطلقت الثورة السورية مطالبة بإسقاط النظام. هنا ضاعف النظام من جرعة "الممانعة" التي يمثلها حسب ظنه. وهكذا فإن ثمة مؤامرة غربية إسرائيلية عربية "رجعية" تستهدف "النظام الممانع" ومكانة ومركزية سوريا. ولمَّا لم يُجْدِ ذلك كله نفعا، استنجد النظام بحلفائه الآخرين من أضلاع "محور الممانعة". فكان أن سارع كل من إيران وحزب الله إلى نجدته وتأييد مزاعمه عن "المؤامرة القذرة" على سوريا ونظامها "الممانع". غير أن ضلعا آخر في "محور الممانعة"، وهو حماس، تأخر في المسارعة إلى النجدة، وهنا ثارت ثائرة الأضلاع الأخرى للمحور، وبدأت معضلة حماس. توقع النظام مسارعة حماس لنصرته على غرار إيران وحزب الله وذلك في أفق مسعاه لتأكيد "سيناريو المؤامرة". ولكن، إذا كان العامل الطائفي حاضرا في حسابات إيران وحزب الله إلى جانب الحسابات الإستراتيجية والسياسية الأخرى، فإنه غير موجود في حالة حماس. بل إن تورط حماس في حسابات مثل هذه سيفقدها عمقها السني، فضلا عن مصداقيتها في الشارع العربي المؤيد في غالبه لثورة الشعب السوري. ولأن حماس تأخرت في إبداء رأيها حول ما يجري في سوريا، بدأت الضغوط تنهال عليها من كل جانب: جانب النظام السوري ومؤيديه، وجانب المعارضة السورية ومؤيديها. وجراء هذه الضغوط اضطرت حماس إلى إصدار بيانها الأول في (2/4/2011) حول الأحداث في سوريا. في بيانها ذاك، أكدت حماس أنها تقف مع سوريا "قيادة وشعبا"، وذلك من باب الوفاء لسوريا التي وقفت "مع الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة واحتضنت قوى المقاومة الفلسطينية، وخاصة حماس". وتمنت حماس "تجاوز الظرف الراهن بما يحقق تطلعات وأماني الشعب السوري، وبما يحفظ استقرار سوريا وتماسكها الداخلي ويعزز دورها في صف المواجهة والممانعة". إذن، لم تقف حماس مع النظام السوري كما أنها لم تقطع معه وأعلنت وقوفها مع سوريا. وهي ذات المعاني التي أعاد مشعل تكرارها في مقابلته مع قناة الجزيرة في (26/12/2011) والتي جَرَّتْ عليه، بغير منطق ولا سند، سخط القريب والبعيد، المتعاطف والخصم، والنظام والمعارضة. وهكذا فإن مسعى حماس للإفلات من معضلة اللحظة الراهنة لم يفلح. فلا النظام رضي عنها، وهو الذي رأى في خطابها لغة مواربة للتملص من عبء دعمه علنا، ولا بعض مكونات المعارضة السورية قبلت بهذا الموقف "الموارب" من حماس -والذي يميل عمليا إلى الشارع السوري- وطالبتها بإعلان القطيعة التامة مع النظام. [title]لا تُحَمِّلوا "حماس" فوق ما تحتمل[/title] وتضاعفت حدة الهجوم على حماس بعد إعلان أمين عام الجامعة العربية، نبيل العربي، خلال مؤتمر صحفي جمعه مع مشعل يوم الجمعة (6/1/2012)، عن أنه سلم هذا الأخير رسالة للسلطات السورية، تتضمن دعوة لوقف العنف والعمل بشفافية ومصداقية، وشاكرا له المساعدة في موضوع "المراقبين العرب". مباشرة بعد هذه التصريحات سارعت بعض رموز المعارضة السورية وحتى بعض المحسوبين على حماس والمقربين منها إلى انتقادها، رغم نفي حماس لوجود مثل هذه الوساطة أصلا. ويتناسى المعارضون السوريون أن طلب "المراقبين العرب" كان مطلبا لهم ابتداء. يتوسع أولئك في الانتقاد وهم يعلمون أن خيارات حماس محدودة في هذا السياق، كما أنهم يعلمون أن كثيرا من كوادرها غادروا سوريا فعلا. فحتى الدول التي تعتبر قريبة أو متفهمة أو حتى حليفة لحماس لن تقبل بتواجد الحركة بجسمها القيادي على أراضيها بسبب حسابات كل دولة على حدة وظروفها الداخلية. وهم إن قبلوا بفتح مكاتب سياسية وإعلامية للحركة، فإنه من المستبعد أن يقبلوا بوجود قيادة الحركة بكليتها موحدة على أراضيها. أيضا فإن ابتعاد قيادة حماس عن محيط فلسطين وثقلها السكاني في الشتات، كما في تونس مثلا، سيكون بمثابة نفي فوق نفي. البعض من خصوم حماس في حركة فتح يطرحون غزة كبديل. وهو طرح فيه من النكاية والتشفي أكثر مما فيه من غيرة على الحركة. هم يعلمون أن ثقل حماس الأكبر، قياديا وتنظيميا، موجود فعليا في الضفة الغربية وقطاع غزة. وهم يعلمون أيضا أن حماس وقادتها محاصرون في غزة، وبأن وضع كل بيض حماس في سلة غزة يعني خنقها عمليا. هل يعني ذلك أن تستسلم حماس لوطأة اللحظة الراهنة؟ بالقطع لا، فحماس مطالبة بأن تبحث -وهي تقوم بذلك-عن بديل لإقامة من تبقى من قيادتها في دمشق في ظل نظامها الحالي. ولكن أيضا، ليس من المنطقي مطالبة حماس بأن تقوم بقفزة في الهواء دون أن تعلم ما إذا كانت ستخر في قعر هاوية بلا نهاية. [title]كلمة أخيرة إلى الإخوة السوريين[/title] عقب اصطدام جماعة الإخوان المسلمين السورية بالنظام في مطلع الثمانينيات تشرد كثير من أبناء الجماعة، وكان عراق صدام حسين واحدا من الدول التي آوت بعض أبنائها نكاية بنظام حافظ الأسد. إخوان العراق كانت لديهم مشاكلهم مع النظام، وشرائح كبيرة من الشعب العراقي كانت ترفضه، ومع ذلك فلم يطالب أحد الإخوان السوريين ولم يلمهم حينئذ على عدم وقوفهم مع المعارضين له. أيضا، خلال الثورة السورية الحالية لجأ الكثير من إخواننا السوريين إلى الأردن الذي يشهد هو الآخر حراكا شعبيا مطالبا بالإصلاح. ومرة أخرى لم يطلب أحد من الإخوة السوريين هناك أن يشاركوا في الحراك ولم يتهمهم أحد "بتحسين" صورة النظام. وإذا كان الأمر كذلك، فليت بعض إخواننا من المعارضة السورية يتذكرون أن فلسطين ما زالت محتلة، وبأن إسرائيل عدو وخطر على الجميع وليس على فلسطين فحسب، وأن بعض الشعب الفلسطيني يعيش في سوريا لاجئا ولا مكان له إلا هناك. فلماذا تطالبونهم بفعل ما لم تفعلوه ولن تفعلوه أنتم في بلاد الضيافة؟ لا فلسطينيو سوريا يؤيدون في غالبهم بشار، ولا إدانة حماس له ستسقطه. أنتم وحدكم القادرون على إسقاطه. قلوبكم كانت معنا (الفلسطينيون) وما زالت بلا شك، وقلوبنا اليوم، كفلسطينيين وعرب، معكم وستبقى إن شاء الله كذلك، وغدا سيأتي الفرج بإذن الله وأن ينصر بعضنا بعضا على كل المستويات وفي كل المواقف والجبهات.