في البداية علينا التذكُّر أن محمود عباس هو مهندس "أوسلو" التي أوصلت منظمة التحرير الفلسطينية إلى الاعتراف بـ (إسرائيل) على 78% من أرض فلسطين، متخلية عن أراضي اللاجئين التي أقام العدو دولته عليها. كما اتفق مع يوسي بيلين في عام 1995م بالتنازل عن حق العودة وتبادل الأراضي مع الكيان، وهو الذي أشار على أبي عمار في عام 1999م وخلال مفاوضات كامب ديفيد بشأن تبادل الأراضي قائلاً: " إن كان هناك تبادل أراضٍ صغير بالقيمة والمثل لا بأس" [من خطاب عباس في رام الله في 10/3/2014م]. وقد أكد في خطابه " أن الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967 عليهم الخروج منها مع تعديلات متبادلة طفيفة بالقيمة والمثل".
وقد كشفت ورقة عمل (إسرائيلية) قُدمت إلى (مؤتمر هرتسيليا السنوي الثامن)، الذي عقد في الفترة بين 20 و 23 كانون الثاني/ يناير 2008م عن اقتراح بضم إسرائيل لكتل استيطانية في الضفة، مقابل أراض (إسرائيلية) (داخل/ أو على امتداد "الخط الأخضر") تنقل إلى الدولة الفلسطينية، مثل أراضٍ في منطقة (حلوتسا) في النقب كما في وثيقة بيلين - أبو مازن، وقد وجدت هذه الفكرة تعبيراً لها في اقتراح رئيس الحكومة ايهود باراك (سنة 2000م)، واقتراح الرئيس الأميركي بيل كلينتون، وفي (مبادرة جنيف) و(خطة الهدف) (أيالون - نسيبة)، التي لم تستبعد صيغتها نقل مناطق مأهولة (مثال أراضي المثلث في الجليل).
وتمادت ورقة العمل (الإسرائيلية) في تصور تبادل أراضٍ على حساب مصر، وذلك بأن تقوم مصر بنقل أراضٍ (بين قطاع غزة ومدينة العريش) إلى الفلسطينيين، وأن تضم إسرائيل إليها تجمعات استيطانية وأراضي في منطقة غور الأردن، وصحراء "يهودا"، جنوب شرق الضفة الغربية (خطة بن آرييه - آيلاند)، هذه الخطة رفضت حتى الآن من جانب مصر، غير أن سياسيين أوروبيين وفلسطينيين رسميين ومسؤولين أميركيين، أبدوا اهتماماً بإمكانيات تنفيذها.
وقد أوصى الرئيس الأمريكي أوباما محمود عباس، في لقائهما في واشنطن في 17/3/2011م بالعمل على تحقيق "تسوية على الأراضي بين الجانبين على أساس حدود 1967 مع تبادل متفق عليه على الأراضي، بحيث يمكن أن يضمن إسرائيل آمنة". وفسَّر أوباما كلامه لاحقاً (في 2011م) بأن هذا التبادل للأراضي يراعي التغييرات التي حدثت على مدى السنوات الـ 44 الماضية. بالطبع محمود عباس لم يعترض على الفكرة لأنه يعتبرها فكرته التي أسس لها منذ عام 1993م.
تحدق محمود عباس عن لقاء جمعه مع الرئيس المصري محمد مرسي تحدث فيه الأخير عن إمكانية منح قطاع غزة ستة آلاف كم2، لكنه لم يخبرنا برده على ذلك العرض المغري، ولم يتساءل عن الثمن. إن سكوت عباس آنذاك يعني موافقته الضمنية، لأن ذلك - إن صح - ينسجم مع الطرح (الإسرائيلي) السابق، والذي أيده هو شخصياً بينما رفضته مصر في حينه.
محمود عباس أضاع معظم أرض فلسطين من خلال اتفاق أوسلو، وما تلاه من اتفاقيات، وأبدى استعداده للتنازل عن أراضٍ في الضفة مقابل أراضٍ في النقب بجوار غزة، دون أن يلقي الاعتبار حتى لفكرة أن أراضي القدس وما حولها أثمن - تجارياً - من أراضي النقب المجاورة لغزة بكثير، فضلاً عن نسب التبادل التي كان أفضلها نسبة 1 : 1، فما الذي جلبه للفلسطينيين؟ ليقوم بعد ذلك بالتنازل عن السيادة الدينية على القدس لصالح الأردن في عام 2013م، فهل اختاره الفلسطينيون ليحافظ لهم على أرضهم ومقدساتهم وحقوقهم أم ليتنازل عنها؟
وبينما يحاول عباس النَيْل من حماس ومن جماعة الإخوان المسلمين في مصر بادعائه الفاقد لأي دليل، مع أنه عرض مغرٍ - لو صح - وقد أبدى سابقاً موافقته عليه تساوقاً مع موقف (إسرائيلي)، إلا إن عباس تنازل بالمقابل عن القدس للأردن، وعن أراضي المستوطنات في الضفة (لإسرائيل)، فأي قسمة ضيزى يقوم بها عباس؟!!