في تعليق ساخر من معاملة البنوك قال مواطن: "نحن نستأمن البنك على أموالنا، وهو لا يستأمننا على قلم ثمنه شيكل، فيربطه بحبل؟!". هذه العبارة الساخرة قد تبدو ساذجة، مع أنها تلخص مشهدًا حقيقيًّا لمعاملة البنوك مع المواطنين، في مختلف المعاملات.
المواطن مضطر للتعامل مع البنوك، وحتى الربوية منها مع أنه متدين يخاف الربا ويخشاه، لأنه لا يملك بديلًا، وأنظمة المؤسسات تجبره على فتح حساب في البنك لكي يتلقى من خلاله راتبه الشهري، وهو مضطر عند فتح مشروع أو إنشاء عمل تجاري، أو إجراء تحويل مالي للخارج أو لمؤسسة في الداخل أن يتعامل مع البنوك.
ولو ظفر المواطنون ببدائل عنها لأوقف التعامل معها جلّ الزبائن لسببين: الأول خوفًا من إثم الربا الذي دخل كل منزل تقريبًا. والثاني لسوء المعاملة وكأنك تأخذ من بيت الموظف لا من مالك وراتبك؟!.
حالة البنوك في التعامل مع المواطنين في غزة يمكن النظر إليها من زاويتين: زاوية الشكل وزاوية المضمون.
زاوية الشكل ربما تشعر معها برضا وارتياح من التطور في شكل البنك وجماله، وألوانه، ونظافته، وصالة الانتظار، وماكينة تنظيم المراجعين، وإجلاسهم على كراسٍ مريحة للانتظار، غير أن هذا المشهد المريح والجميل يتلاشى ويذوب كما يذوب الملح في الماء حين تتعامل مع الموظف. وهنا لا بدّ من الحذر من التعميم، لما في الأحكام العامة من مبالغة. ومن ثمة فحديثنا هنا مع موظف لا يعرف جيدًا رسالة بنكه، ولا أهمية حسن المعاملة مع الزبون، حيث يغلب عليه طبع القسوة الموروث، فيتعامل مع الزبون وكأنه (يشحد) منه مالًا أو صدقة، أو يأخذ حقًا ليس له؟!
التعامل البنكي الحضاري مع المواطنين لا يكون بتجميل البناء وصالة الانتظار وأناقة ملبس الموظف، وتسريحة الشعر، فهذه أشكال خارجية يستطيع فعلها كل إنسان، وتستطيع كل مؤسسة القيام بها، ولكنه يكون بالمعاملة الإنسانية الثنائية بين الموظف والزبون، وفي حسن استماع الموظف للمواطن، وفي جمال الرد على طلبه إن كان طلبه محقًا ومسببًا ويمكن تلبيته، أو حسن الاعتذار إن كان طلب الزبون مستحيلًا، ولا يجوز بحال النظر إلى طلبه بشذر وكشرة، ورفض، ونفي الاستطاعة وهي موجودة يقينًا. لا يستقيم هذا في المعاملات الجيدة والحضارية، بينما يحقق البنك أرباحه الكبيرة من تعاملات المواطنين. ولست بحاجة هنا لضرب أمثلة، وإحصاء معاملات قاسية تحتاج إلى معالجة، فعند كل مواطن تعامل مع البنوك مثل وتجربة مؤسفة مؤلمة.
لا تكفي شهادة المحاسبة ليكون فلان أو علان موظف بنك كبير ويتعامل مباشرة مع المواطنين من مختلف الأعمار ومن الجنسين، بل لا بد مع شهادة المحاسبة من دورات في التعامل التربوي، تُعرّف الموظف جيدًا على طبيعة المتعاملين مع البنك، ولا بد من تعريفه جيدًا على الشخصية الفلسطينية وطبيعتها القلقة الموروثة من قسوة الحياة السياسية والاقتصادية الخاصة. لذا يجدر بمجالس إدارة البنوك وغيرها من المؤسسات أن تجري دورات تدريبية لموظفيها في المجالات التي تلزمهم خارج إطار الإجراءات المحاسبية.
نعم البنوك الكبيرة تجري تحديثًا مستمرًا على أنظمة الحاسوب المحاسبية، وتنقل الخبرات الجديدة لموظفيها، وهذا جيد، ولكنها مقصرة تقصيرًا شديدًا في تحديث أنظمة المعاملات الإنسانية مع المواطنين، مع أن الحديث الشريف يقول: "ما دخل الرفق في شيء إلا زانه، وما خرج من شيء إلا شانه". ويقول المثل العربي الفلسطيني: "لاقيني ولا تغديني".