بعد اكثر من عشرين عاما قضاها في سجون الاحتلال الاسرائيلي ، حيث اطبق السجن والمرض عليه، غادرنا الشهيد الاسير نعيم شوامرة الى مثواه الاخير، لم يأخذنا الى القبر او الى المنفى ، كان هادئا لم يطرح علينا اسئلة الموت الصعبة لاحقا وسابقا، بل رحل كإنسان قديس مضرجا بالحياة من الوريد الى الوريد.
قبل وفاته بيومين كنا حوله في مستشفى الاهلي بالخليل، مفتوح العينين على المدى، مستلقيا على سلام روحه الجميلة يودعنا بنظراته الحالمات وهو يذكرنا اسما اسما، حارسا على ذاكرة اليقين مكانا وزمانا وهو يضع علم فلسطين على صدره منتفضا مع دقات القلب الساخنة.
رحل الشهيد نعيم شوامرة الذي اصيب بمرض ضمور العضلات خلال وجوده بالسجن، اشتبك مع المرض وظلام السجن اشتباكا طويلا، ظل واقفا على قدميه ينشر وروده المتفتح على عضلات السياج ويذوب في الغياب.
نحن اصدقاؤه المفجوعين ، قال لنا لا تعتذروا عن حلمكم وحلمي الجميل، مشيرا بإبهامه الى من بقوا خلفه في السجون، المرضى المصابين بأمراض خبيثة وصعبة، المنتظرون على حافة الموت قرارا مفاجئا ينقذهم من المصير الاسود، ويحررهم من ذلك الطبيب الذي يرتدي لباس السجان تفوح منه رائحة الجريمة.
لقد قتلوا نعيم شوامرة مثلما قتلوا ميسرة ابو حمدية وزهير لبادة وجعفر عوض واشرف ذريع وزكريا عيسى والعشرات من الاسرى الذين سقطوا مرضا وقهرا واستهتارا بصحتهم خلف القضبان ، والجريمة تتكرر وتتوسع وتزداد شراسة على ارواح واجساد الاسرى ، وقد ازدحمت الجنازات وكثرت التوابيت واختفى عرس الحرية في البكاء.
حملناه على اكتافنا في يوم دام الى البيت والقبر، وكلنا نتمنى ان يقبل اعتذارنا ، للطريقة التي مات فيها، وقد ترك في قلوبنا خنجرا، وفي وصيته خوفا وقلقا على اصدقائه الاسرى هناك في السجون، وهو الذي كتب لنا: لا تسمحوا ان يموت الاسرى مثلما مت أنا، انقذوهم من جرائم طبية ممنهجة ترتكب في ساحات السجون.
خجلنا وبكينا امام والدته العظيمة الصابرة، الام التي ابكت السماء، وحركت كل جهات القلب في الدنيا ، وهي تفتش عن شفاء ودواء ، ناشدتنا وشدت على ايادينا لإعادة ولدها سليما كما كان، وظلت فوق رأسه متمسكة بالرجاء وبالامل، خجلنا وتوارينا خلف التراب والغبار ودخلنا في هذا الصمت المريب.
سلام على روحك العنيدة يا نعيم شوامرة، رحلت عريسا مزهوا محمولا على هواء الخليل واشجارها ودواليها واقمارها، كنت شهيدا جميلا واجمل عشاق الارض ملتحفا بتراب الشرف.
سلام عليك من اخوتك الاسرى، يكملون مشوارك في النضال من اجل التحرر والانعتاق من القبور والاغلال والامراض المميتة، لازالوا يدقون على جدران السجون ويقولون لك: لن يكسرنا الموت والسجن، فالموت فينا حياة تتجدد.
سلام عليك، لم اسمعه ولا مرة يصرخ او يتوسل، فهو الذي رتب لنا الحياة القادمة، وهو الذي حدد موعد موته القاسي، وبكبرياء مع سلامه الداخلي، فمثل هذا المقاتل لا يموت مبكرا، ولا يعرف الهدوء لا في الحياة ولا في الآخرة.
وداعا والى اللقاء
لأني اعلم
ان يوما سيأتي
نسافر فيه اليك
وتسافر فيه الينا
ويعبر بعضنا الى بعض
كما تعبر الحرية من بيت الى بيت