"لا كرامة دون مقاومة"، " ستظل السكين في يدي ما دام الاحتلال هنا"، شعارات عاشها الفلسطينيون في ظل انتفاضة القدس، والتي انطلقت شرارتها قبل عام، كرد مباشر على انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي لحرمة المسجد الأقصى بشكل عام، والاعتداءات المستمرة بحق الفلسطينيين وأرضهم، فهل سيستمر الشبان في الانتفاض أم سينجح الاحتلال والمتساوقين معه بوأد هذه الانتفاضة؟؟
عماد أبو عواد مدير الأبحاث في مركز القدس لدراسات الشأن الإسرائيلي والفلسطيني، قال بأن انتفاضة القدس أو "انتفاضة الأفراد" كما يحلو لـ"إسرائيل" تسميتها - لما لذلك من تبعيات اقتصادية وسياسية في حال تسميتها بالانتفاضة -، استمرت على خلاف التوقعات الإسرائيلية، استمرارٌ متقطع أو على موجات متفرقة إلا أنه يفتح الذهنية الإسرائيلية أمام سيناريوهات لا تتمناها، فمجرد وجود الانتفاضة ولو بشكل متقطع، من شأنه أن يعطي مؤشراً قويا بأنه لا أمل في وجود هدوء مستمر، ولهذا سيكون انعكاسات على مسارات مختلفة في الدولة، منها الاقتصادي والسياسي، وكذلك على طبيعة العلاقات في الدولة العبرية داخلياً.
آثار إيجابية
وأضاف عواد في حديثه لـ"فلسطين الآن": "إن استمرار انتفاضة القدس من عدمه له تداعيات على مجمل القضية الفلسطينية، حيث إن توقف الانتفاضة كلياً ولفترة طويلة نسبياً، سيفتح شهية الاحتلال على ابتلاع المزيد من الأراضي والسير في الخطط اليمينية التي يقودها البيت اليهودي، بفرض السيادة الإسرائيلية رسميا على المستوطنات في الضفة الغربية بما في ذلك العشوائية، وتطبيق القانون الإسرائيلي عليها، علاوة على ذلك تجنيس سكان غور الأردن من الفلسطينيين والبالغ عددهم وفق الرواية الإسرائيلية قرابة الـ 100 ألف نسمة، من أجل تشريع ضم غور الأردن إلى "إسرائيل" بشكل رسمي".
من الجانب الآخر، أشار عواد إلى أن استمرار الانتفاضة ولو بشكل متقطع سيكون له انعكاس ايجابي على القضية الفلسطينية، من الناحية التكتيكية وعلى المستوى القريب قد تنتهج "إسرائيل" المزيد من الغطرسة وابتلاع الأراضي، لكن استراتيجيا فإن ذلك سيدفع "إسرائيل" إلى اتخاذ خطوات جادة للانفصال عن الفلسطينيين، وإعادة حل الأحادي الجانب إلى طاولة النقاش، وليس هذا ببعيد في ظل أن الفكرة راودت أقصى اليمين الإسرائيلي خلال ذروة أحداث القدس، وقد أشار لذلك زعيم حزب البيت اليهودي المتطرف نفتالي بنت، الذي قال علينا تغيير طبيعة تفكيرنا لمواجهة التحديات الأمنية.
السلطة كبلت الانتفاضة
أما الكاتب الفلسطيني ياسين عز الدين، فيرى بأن انتفاضة القدس تعاني منذ بدايتها من عدم مشاركة حركة فتح الفاعلة فيها، ومعارضة السلطة الشديدة لها. وهذا أدى لتكبيلها والحيلولة دون انطلاقها بقوة، ولا يبدو بالأفق أن فتح والسلطة لديهم النية بتغيير مواقفهما.
ويضيف ياسين: "لكن في موازاة ذلك هنالك تآكل لقدرة السلطة في السيطرة على الوضع بالشارع الفلسطيني، وهنالك الخلافات الفتحاوية الداخلية المتزايدة. هذا التآكل في قدرات السلطة على ضبط الوضع يقودنا للمجهول، فهل ستنهار السلطة فجأة نتيجة التراكمات؟ أم يكون انهيارًا تدريجيًا؟.
ويتساءل ياسين عن ردة فعل الاحتلال في حال تصاعدت أعمال المقاومة، و هل سيقود التصعيد نحو أقصى مدى؟، كلها أمور يصعب التكهن بها.
وحسب عز الدين فهنالك ظروف تحكم مسار الأحداث في المستقبل: "تماسك السلطة وحركة فتح، والوضع في الدول العربية المجاورة وشعور الاحتلال بالاطمئنان تجاه الأخطار الخارجية. كما يوجد قطاع كبير من الشبان والمقاومين في الضفة يشعرون بالخوف من تركهم لوحدهم في مواجهة الاحتلال، وهذا عائق مهم أمام تطور الانتفاضة. لذا على الأرجح ستستمر الانتفاضة بوتيرتها الحالية صعودًا وهبوطًا إلى أن يحصل تغيير جوهري على صعيد السلطة أو المحيط العربي".
ويرى الكاتب والباحث الفلسطيني ساري عرابي بأنه وعلى المدى المنظور، لا يتوقع أن تنعطف الحالة الانتفاضية الراهنة على نحو مفاجئ، أو مغاير لما كانت عليه منذ انطلاقتها قبل عام، لأن الشروط الموضوعية لتطورها لم تتوفر بعد، ولاسيما موقف السلطة الفلسطينية منها وحزبها الحاكم، وقدرة فصائل المقاومة على التعافي وإعادة بناء نفسها لتطوير هذه الحالة، ولذلك فالمتوقع أن تستمر هذه الحالة على شكل حلقات، حلقات تتصاعد فيها، وحلقات تخبو، ولكنها سوف تستمر كسلسلة نضالية، إلى أن تتغير الظروف، وبتوفر الشرط المعظم لهذه الانتفاضة، والذي من شأنه أن يوسع منها ويطور من أدواتها".
انتفاضة متجددة ومستمرة
وفي حديث خاص مع "فلسطين الآن" مع المدوّن والكاتب الفلسطيني سري سمور، قال: "بأنه قد ثبت أن انتفاضة القدس متجددة ومستمرة وتطور نفسها، وأن الأمور من الناحية السياسية تتجه إلى موت غير معلن لعملية التسوية في حال فوز "هيلاري كلينتون"، وإعلان الموت والحرب في حال فوز "ترامب" مرشحي الرئاسة للولايات المتحدة الأمريكية. أما ميدانياً، فمن الواضح حسب سمور بأن انتفاضة القدس تطور أدواتها وتكتيكاتها ذاتيا ويتوقع انخراط أوسع للتنظيمات بها، وبالإجمال فإن الأمور تتجه نحو التصعيد التدريجي.
وأضاف سمور: "ولكن خلال عام من انتفاضة القدس كان التفاعل الشعبي متواضعا مقارنة مع ما سبقها من انتفاضات وهبّات شعبية،ربما يعود السبب إلى تغيرات اجتماعية وسياسية أصابت شعبنا في المرحلة الأخيرة، ولكن دون مزيد من التفاعل الشعبي فإن انتفاضة القدس ستظل مثل ضوء خافت للأسف".
وختم سمور حديثه: "على الصعيد الإسرائيلي فإنهم كما قلت ينتظرون نتائج انتخابات أمريكا وهم مؤثرين بفضل اللوبي هناك، والتغيرات الدراماتيكية التي قد تجعل الانفجار شاملا أو شظاياه لا تستثني أي بقعة هي: اعتداء واضح على المسجد الأقصى، والنية مبيتة لهذا الأمر فعلا، والأمر الثاني هو توسع جيش الاحتلال في عمليات القتل بطريقة دراماتيكية وفي كل المناطق".