تزايد، مؤخرا، إقامة مسابح خاصة تملكها عائلات غزيّة كمشاريع استثمارية مدرة للدخل، ما يدفع الأسر خاصة النساء من ذوي الدخل المتوسط وفي ظل محدودية الخيارات أمامهم إلى ريادة المسابح الخاصة للترفيه عن أنفسهم والحصول على الخصوصية المطلوبة، لكن هذا النوع من الترفيه أصبح مدعاةً للقلق مع تزايد الشكاوي من انتشار الأمراض الجلدية والتنفسية نتيجة غياب الرقابة على عمليات التعقيم والتطهير.
ونقل تقرير لمركز العمل التنموي/ معاً، أعدته الصحفية ماجدة البلبيسي، عن الدكتور أحمد حلّس، اعتباره من وجهة نظر مهنية وعلمية مستندة على دراسات وأبحاث سابقة أن المسابح العامة تفتقد لمعايير وشروط الصحة العامة، وضعف المراقبة من الجهات الرسمية. مشيرا إلى أن مستلزمات التعقيم والتطهير غير متوفرة في تلك المسابح، وأن "الكلورة" ليست كافية لقتل البكتيريا الناجمة عن التلوث، وأن نظام الفلترة المعمول به أيضا يعجز عن قتل الميكروبات.
مسابح تجارية
أما فيما يتعلق بالمسابح التجارية التي انتشرت في الآونة الأخيرة -فحدِث بلا حرج- وفق رأي حلس، متسائلا إن كانت المسابح العامة لا تحظ بالرقابة والمتابعة، فما بال المسابح التي تدشن من أشخاص قليلي الخبرة بهذا الشأن، محذرا من الخطورة المترتبة من السباحة في تلك المسابح، خاصة على النساء والأطفال.
ويوضح أن المواد التي تكفل تعقيم وتنقية مياه المسابح بالإضافة إلى الكلور وبنسبة معينة، مثل الأشعة فوق البنفسجية والأوزون، غير متاحة في حالتنا.. وأن الأعوام السابقة شهدت العديد من الشكاوى الصحية الناجمة عن تلوث المياه، خاصة المسابح لعدم تجدد مياهها بشكل دوري.
بحوث علمية
وقد أجرى مؤخراً فريق متخصص ضم بجانب حلس مدير دائرة التوعية البيئية في سلطة جودة البيئة الفلسطينية د. أمل صرصور الباحثة في المجلس الفلسطيني للبحث الصحي والأستاذ أيمن الرملاوي مفتش الصحة في وزارة الصحة الفلسطينية، دراسة لتقييم المحتوى الميكروبي (التلوث البيولوجي) وكفاءة التطهير لأهم المسابح العامة في قطاع غزة وذلك للتثبت من مدى مطابقتها للمعايير الدولية والتشريعات البيئية والصحية المحلية لضمان الأمان الصحي تجاه مرتاديها من الأطفال وذوي المناعة المنخفضة.
واستعان الباحثون بالنتائج والتحاليل التي أجرتها وزارة الصحة على مدار أربعة أعوام مضت (2013-2010)، إذ أثبتت الدراسة أن 100% من العينات التي سُجلت لم تتطابق مع معايير منظمة الصحة العالمية، فيما بينت 75% من العينات عدم تطابقها مع مستوى الحموضة المطلوبة كعنصر رئيس في عملية التطهير ضد البكتيريا والجراثيم.
ووفق الدراسة فإن ما نسبته 57% من العينات المسجلة كانت ملوثة بمجموعة البكتيريا القولونية وأن 39% من العينات التي سجلت في الدراسة كانت ملوثة بالبكتيريا.
وبينت الدراسة أن المنحنى العام (الانحدار) للفحوصات، أظهر ارتفاعا ملحوظاً في نسب التلوث ضمن المسابح المدروسة عاما بعد عام.
إهمال ملحوظ
وخلصت الدراسة إلى أن إهمالا ملحوظا في عملية مراقبة ومتابعة المسابح العامة وتطهيرها من الميكروبات الممرضة من الجهات المخولة بذلك، موصية إياها بتركيز وتكثيف الجهود وتحمل المسؤولية تجاه مراقبة المسابح العامة في القطاع، وتطهير المرافق المائية العامة بشكل مستمر لضمان سلامة مرتاديها.
كما أوصت الدراسة بتحمل الجمهور لمسؤولياته بالتحري الدوري للمرافق العامة والصحي منها؛ لضمان سلامتهم وسلامة أطفالهم من الأمراض خاصة المعدي والخطير منها.
الدكتور رامي ترزي المتخصص بالأمراض الجلدية، أكد أن هناك بالفعل زيادة ملحوظة في الأمراض الجلدية الناجمة عن السباحة في المسابح الخاصة، تحديداً وسط النساء والأطفال، وأهم هذه الأمراض تواليل باطن الأقدام الناجمة عن عدوى فيروسية يتم التقاطها نتيجة المشي على أرضيات المسابح الخارجية وهي تصيب النساء بشكل خاص .
يتابع "أن سعفة القدم من الأمراض المتعلقة بالمسابح والناجمة عن عدوى فطرية، وتتمثل بحكة مع طفح جلدي وتشققات وبثور ما بين الأصابع".
جفاف الجلد والشعر
كما أن هناك مشاكل صحية ناجمة عن كلورة المسابح بكميات لا تتوافق مع معايير منظمة الصحة العالمية من (1- 3 ملجرام لكل لتر ماء) ما يؤدي إلى تساقط الشعر وجفاف الجلد والشعر نتيجة التصاق الكلور كيميائياً بالبروتين في الشعر محدثاً التهابات. كما أن الكلور يعمل على تهيج مناطق حساسة في العيون، الأنف والرئتين والقصبة الهوائية خاصة لدى مرضى الربو والجهاز التنفسي.
ويعد الإسهال أكثر الشكاوى التي نستقبلها، وفق الدكتور ترزي، وذلك اثر ابتلاع جرعات من الماء الملوث بالبكتيريا القولونية، ومخلفات البراز.
ويوصى ترزي بضرورة الاستحمام قبل وبعد السباحة في المسابح لتفادي الميكروبات والبكتيريا، ويفضل لبس غطاء بلاستيك على الرأس لحماية الشعر، نظارات السباحة لحماية العيون، وانتعال الحذاء بعد السباحة وعدم المشي على أرضيات المسابح الخارجية دون حذاء.
كما أوصى بفلترة المسابح بشكل يومي على مدار الساعة، لضمان تجدد المياه، وكلورة المياه بنسب معينة للتخلص من المواد والمركبات العضوية، والامتناع عن السباحة في حالة الاصابة بالنزلات المعوية خاصة الإسهال، عدم التبول في أحواض السباحة وتشديد الرقابة الحكومية على المسابح لتجنب العديد من الأمراض من خلال أخد عينات دورية من المسابح وفحصها.
جولات مفاجئة
رئيس قسم مراقبة المياه بوزارة الصحة د. خالد الطيبي أشار بأن دور الوزارة يجمع ما بين الدور الاستشاري والرقابي، التي تنظم بجولات ميدانية ضبطية مفاجئة على أماكن السباحة المنتشرة سواء كانت الشاليهات أو المنتجعات السياحية أو الاستراحات للتفتيش والتأكد من مدى مراعاتها للشروط الصحية أهمها الفلترة والكلورة، ووسائل الأمان الصحي وغيرها من الشروط البالغة 22 شرطاً.
وقال: "في حالة وجود خلل بتلك الشروط نعطي إنذارات لوقف العمل بها لحين الالتزام بالشروط، ومن ثم نتوجه للجهات القانونية، إذ هناك لجنة مشكّلة لهذا الغرض في هذا الموسم تضم كل من وزارة السياحة والآثار، الداخلية، الصحة، الدفاع المدني والحكم المحلي كذراع للبلديات".
إغلاق مسابح
ولفت انه جرى في الآونة الاخيرة حصر جزء كبير من الشاليهات التي وصلت (100) شاليه لمتابعتها، وإنذارها في حالة الخلل، كاشفا أنه جرى إغلاق (6) برك جلدية في محافظة شمال غزة، (2) في المدينة نتيجة عدم استيفائها للشروط الصحية، وهناك عدد آخر جرى إخطارها لتصويب أوضاعها.
فيما يتعلق بالمسابح الشخصية ( العائلية) سيتم إرسال إخطارات لها للحصول على التراخيص اللازمة بعد الاستئذان من مالكيها لدخلوها؛ حفاظا على مصلحة وحياة المواطنين، الذين أصبحوا يرتادون هذه المسابح بشكل ملحوظ، خاصة المتدنية الأسعار والقليلة الجودة، وسيتم التعامل معها قانونيا في حالة وجود خلل، خاصة أن من يدير تلك المسابح أشخاص غير مؤهلين لذلك.
ويقول: "رغم القيام بالدور الرقابي والمتابعة إلا أننا لا نستطيع أن نقر بأننا نسيطر على وضع جميع المسابح، ولكننا بحاجة أكبر للمراقبة والضبط، ونقوم بأخذ عينات دورية تخضع للنتائج وبناء عليها، يجرى اتخاذ الإجراءات اللازمة".