تمثل المباني السكنية القديمة في مدينة الخليل والتي تعرف باسم "الفلل"، خير شاهد على عروبة المكان وطرازه الفلسطيني الأصيل، والتي يعود تاريخ بنائها إلى ما قبل مئة عام ويزيد، ورغم ذلك فقد باتت اليوم تحت مقلصة جرافات الهدم بغرض "الاستثمار".
وآخر عمليات الهدم تلك، ما نفذ في أحد المباني التراثية بمدينة الخليل قرب مستشفى الخليل الحكومي، والذي كان يحمل جزءا كبيراً من ملامح التراث المعماري التي تضم النقوش والزخارف الاسلامية، حيث تجاوز عمر بنائه الثمانين عاماً.
يوسف الجعبري عضو مجلس بلدية الخليل برر عمليات الهدم، بـ"الاضطرارية" لحل إشكالية الأزمة المرورية قرب مستشفى الخليل الحكومي، حيث اشترت البلدية قطعة الأرض المقام عليها المبنى وهدمته لإنشاء موقف سيارات.
وأكد الجعبري بأن المبنى ليس تراثيّاً رغم ما يحمله من نقوش وزخارف، وأن إيجاد حل للأزمة المرورية قرب المشفى وبناء موقف للمركبات يقدم على أهمية الحفاظ على المبنى، ولم يكن هناك أي بدائل لحلول اخرى.
وأضاف الجعبري: "هناك تنسيق مع وزارة السياحة والآثار من أجل الحفاظ على بعض المباني الأثرية التي تعتبر تراثية بحق"، واعداً بأن تتم إعادة بناء آخر بنفس حجارة المبنى المهدوم، لكن في مكان آخر.
المبنى التراثي
وأوضح المختص محمود بلعاوي منسق المشاريع في مركز "إيوان" برام الله لـ"فلسطين الآن"، أن أي مبنى يزيد عن مئة عام، حسب القانون البريطاني يعتبر تراثياً، لكن مع تغير الأوضاع، فقد تغير المفهوم العمراني لدينا، فيمكن أن يكون أقل من ذلك، والتصنيف يعود لحقبات كانت وتعاقبت في فلسطين.
وأضاف بلعاوي بأن التراث القديم العمراني خصوصا، يبرز لنا صورة كبيرة ومتكاملة عن العمارات القديمة التقليدية بكل ما تحويه من ظروف "مناخية وجغرافية واجتماعية" وتعمق التصاق المواطن بالأرض.
وحسب الدكتور البلعاوي، فإن من واجب الدولة بمكوناتها، الحفاظ على كل المباني حسب مفهومنا العمراني، خصوصاً بأن المباني في خطر، من قبل المستهترين أو الاحتلال الإسرائيلي، أو العمل بحق التملك لمؤسسات وتشغيلها "مراكز فنية وتأهيل للشباب" كما حدث في غزة وكثير من المحافظات، وذلك بوجود خطة متكاملة.
مساس الماضي يضر الحاضر
على ذي صلة، قال الدكتور محمد العلامي، المحاضر في جامعة الخليل لـ"فلسطين الآن"، إن عمليات الهدم التي تمس المباني القديمة التراثية، يعود بالضرر على حاضر المجتمعات وإلغاء حقها الأرضي والوجودي على مر الأزمان.
وقال العلامي: "مشكلتنا في تقدير تراث الأجداد والأزمنة الغابرة في كل الأوقات، ويبدو بأنه لم يبق للتاريخ مكاناً في وقتنا الحاضر، وعملية الهدم تشير إلى انغلاق الأهداف لدى المسؤولين في إقامة الحاضر على الماضي الجميل واتصاله به".
من جهة أخرى، ذكر أستاذ التاريخ في مدرسة رقعة الثانوية بيطا، تيسير حوشية، وهو مشارك في بعثات تراثية لأكثر من مرة، بأن قرارات كثيرة اتخذت خلال الاجتماعات المتعلقة بالأبنية القديمة، سيما الأقدم والأقدم، ولكنها لم تنفذ، حيث الترميم وإعادة البناء بنفس الحجارة، وعدم المساس بها.
وأضاف: "كانت لنا كلمة موسعة لدى بلدية الخليل، بأن المساس غير مبرر، رغم التبريرات التي قدمتها البلدية، ولكن هناك دائما حلول لكل مشكلة، خصوصا مع توفر أماكن غير هذه التي تم هدمها قرب مستشفى عالية بالخليل، مشيراً بأنه يتخوف من تحولها لظاهرة".
ودعا حوشية إلى ضرورة المحافظة على التراث العمراني وتنميته بما في ذلك من مدن وأحياء وحرف وصناعات تقليدية ومعالم تاريخية، والعمل على توظيفها ثقافياً واقتصادياً.