11.12°القدس
10.88°رام الله
9.97°الخليل
14.16°غزة
11.12° القدس
رام الله10.88°
الخليل9.97°
غزة14.16°
الخميس 26 ديسمبر 2024
4.58جنيه إسترليني
5.15دينار أردني
0.07جنيه مصري
3.81يورو
3.65دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.58
دينار أردني5.15
جنيه مصري0.07
يورو3.81
دولار أمريكي3.65

عنوسة وفقر وجهل..

عميلٌ يُلقي ببناته الثمانية نحو العار الأبدي

عميل، ابنة عميل، تخابر مع الاحتلال
عميل، ابنة عميل، تخابر مع الاحتلال
معتز محمد - فلسطين الآن

متأوهٌ حدّ الانهيارِ، متوجّعٌ يذرفُ عبراتِ الحسْرَةِ، عينٌ صوبَ السّماءِ، وأخرى نحْو ثمانِي شقيقاتٍ، ذبحهنّ الدهرِ بسكينِ العذابِ، هُنا ترقصُ الآلامُ طربًا، هُنا في أروقةِ الغُرفِ المظلمةِ، تُصلّي الكروبُ أربعًا على فتياتٍ لفّتهم الدّنيا بأكفانٍ سوداءٍ، أودتْ بهنّ إلىَ قاعِ العارِ، ولا شيء سوى العار.

بضعةُ أعوامٍ، منذُ أن بعثتْ بنادقُ الثوّار ثلاث رصاصاتٍ نحو رأس أبيهنّ، في إحدى أزقّة المخيّم الموحشة، ليتركَ خلفـهَ بيتًا خاويًا، وأرواحٌ على شفَا الغرقِ، لكنّ ألسنةَ النّاسِ سترديهم جثامينَ فِي أعماقَ الحياة.

العارُ يلاحقهم

"ابن العميل.. ابنة العميل.. أهل العميل.. بيت العميل.. أبوك .. " هي أبسطُ كلماتٍ من الممكنِ أن توجّه إلى عائلةٍ ألقَى بها أبوهم بينَ سيوفٍ حادّة، بعدمـا رحلَ من البابِ الصّغيرِ، بعدما ركبَ زورقَ العمالةِ والتخابرِ مع الاحتلالِ الإسرائيلي.

يوقف (س) سيّارة أحد وجهاءِ الحيّ، "دخيلك.. دقيقة.. أمانة.. شويّة.. " صفّ الوجيهُ جانبًا، ليستمع إليه، " أنا عندي 8 أخوات، أبوي قتلوه قالوا عنّو عميل، كنت صغير، مش راضِي حد يتقدّم إلهن، أنا مستعد أزوجّهن بدون أي مصاري بدون كسوة بدون مهر " .. "والله العظيم، حبّة بندورة ما عنّا في البيتِ، بدّي عشرة شيكل أشتري أي حاجة، ثمانية هدول"

أثوابٌ باليةٌ مهترئة، كُنّ يذهبن بهنّ إلى المدرسةِ، لكنْ ما لبثت أن الحِدادِ نزلت كالصواعقِ عليهنَ من كل حدبٍ وصوبٍ، في مجتمعٍ يُعاقب الجميع "السيئة تعمَ والحسنة تخص".. فآثرن أن يتنحين جانبًا عن مقاعدِ الدّراسة، ويعدن إلى بيتهن المنكوبِ، فعلى الأقل لن يسمعن زفّة الذهاب والإياب ".. ابنة العميل.. "

عارٌ مدى الحياة

ثمانِي زهراتٍ كان من الممكنِ أن تشرقَ شمسُهنّ في ميدانِ الحياة، يتنّسمن عبير النّجاحِ والتوفيقِ، يرفعنّ رؤوس عائلتهن، لكن أبى الأبُ إلّا أن يخطُو في مهاويِ الهوانِ والخيانة، لم يفكّر إلا في نفسه من أجلِ دراهم معدودة، لا تساوي كلمة تدمعُ منها إحدى بناتِه.

كلٌ منهنّ كانتْ تحلمُ أن تحيا حياة جميلة، وأن تحملُ بين ذراعيها طفلًا، ترضعُه كأسَ وطنيةٍ وحبٍ لفلسطين، تفتخرُ، كان بالإمكان أن تخرجَ من هذه العائلة المهندسة والطبيبة والمعلمة، لكنّ الأب كان له رأي آخر، فدمّر عائلة كاملة قوامها عشرة أفراد من أجل مآرب شخصيةٍ تافهةٍ.

الحكايةُ لم تنتهِ بعد، فالجراحُ الغائرةُ مستمرة، تقطّع أوصال القلوبِ، تمزّق الممزّقَ، تسحقُ ما بقيِ من ركامِ الماضِي، وفتاتِ الحاضرِ، تنخرُ في عظامهنّ، فقرٌ وعارٌ وألمٌ وضنكٌ وقهرٌ ورعبٌ يحاصرهنّ مدى الحياةِ.