حذرت تقارير لمؤسسات ومنظمات دولية إلى جانب خبراء اقتصاد وزراعة، من تداعيات الحرب الأوكرانية على المواطنين في مصر وخاصة الفقراء في ظل اضطراب سلاسل الإمداد والتوريد، والارتفاع الحاد في الأسعار العالمية للسلع والخدمات، وتكاليف الشحن نتيجة ارتفاع سعر النفط.
وتوقعت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة "فاو" (FAO) ارتفاع الأسعار العالمية للأغذية والأعلاف ما يسهم في زيادة الأسعار بما يتراوح بين 8 و20 بالمئة نتيجة الحرب في أوكرانيا، مما سيؤدي إلى قفزة في عدد الأشخاص الذين يعانون من سوء التغذية في شتى أنحاء العالم.
وحذرت "الفاو" من تعرض نحو 9.6 بالمئة من سكان مصر لخطر عدم القدرة على توفير طعام صحي لو تراجعت قدراتهم الشرائية بنسبة الثلث، خاصة أن 30 بالمئة من عدد السكان فقراء ونحو 5 بالمئة تحت خط الفقر المدقع.
بدورها قالت وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني إن الغزو الروسي لأوكرانيا أدى إلى انخفاض تدفقات السياحة الوافدة لمصر، وارتفاع أسعار المواد الغذائية؛ نتيجة اعتمادها على روسيا وأوكرانيا في استيراد الغذاء وخاصة القمح ما يجعل من البحث عن مصادر بديلة أمرا مكلفا ويزيد الضغوط على الحكومة المصرية والمواطنين.
مسح ميداني للأسعار
ومن خلال مسح ميداني لارتفاع أسعار أهم السلع الغذائية، رصد ارتفاعها ما بين 25 بالمئة و50 بالمئة، حيث ارتفع سعر رغيف الخبز غير المدعم 50 بالمئة، وارتفعت المخبوزات بجميع أنواعها ما بين 20 و30 بالمئة، كما ارتفعت أسعار المعكرونة والأرز بنحو 15 و20 بالمئة وفق شعبة الحاصلات الزراعية بالقاهرة حيث ارتفاع طن الأرز من 8 آلاف جنيه إلى 11 ألف جنيها.
وارتفعت أسعار اللحوم الحمراء والبيضاء ما بين 25 و30 بالمئة حيث قفز متوسط سعر كيلو اللحوم البلدي ما بين 150 و200 جنيه للكيلو، وارتفع سعر كيلو الدجاج إلى 40 جنيها قائما (حي)، وكذلك ارتفعت أسعار الأجبان والألبان بنسب تتراوح بين 20 و30 بالمئة ما أثر على أسعار مشتقات الألبان كالزبادي والسمن والزبدة والقشطة.
تداعيات أزمة الغذاء
وتوقع مستشار وزير التموين والتجارة سابقا، إسماعيل تركي، أن تتفاقم أزمة نقص القمح الذي يعد منه الخبز الوجبة الرئيسية للشعب المصري، قائلا: "في ضوء استمرار الحرب الروسية على أوكرانيا والعقوبات المفروضة على روسيا وارتفاع أسعار البترول فإن الأزمة ستستمر لمدة عام كامل بعد ما دمرت الحرب مقدرات أوكرانيا في إنتاج القمح والذرة والشعير، نصيحة لكل فلاح مصري أن يخزن ما يكفيه من القمح ولا يبيعه بثمن بخس للدولة ثم ينتظر دوره في طوابير الخبز لأن اهتمام الدولة سوف ينصرف على المدن أكثر".
وبشأن تداعيات الأزمة، أوضح: أن "من تداعيات أزمة نقص إمدادات القمح فقط زيادة أسعار المكرونة والأرز بنسب تتراوح ما بين 20 بالمئة و 30 بالمئة نتيجة جشع التجار وفساد الحكومة وإذا استمر الوضع كما هو عليه فإن ذلك ينذر بعواقب وخيمة على المصريين وخاصة الفقراء والطبقات الكادحة التي تعتمد على الخبز كوجبة رئيسية في نظامها الغذائي البدائي والبسيط".
وقلل من تطمينات الحكومة المصرية للمواطنين بشأن مخزون القمح، وقال إن "ما يردده المسؤولون في مصر عن وجود مخزون من القمح يكفي 4 شهور فهو غير دقيق؛ لأن الاحتياطي الحقيقي هو الموجود في الصوامع بالإضافة إلى ما تعاقدت عليه الدولة من كميات ضخمة قبل الأزمة ومن المستبعد وصوله واستلامه بسبب ارتفاع تكاليف النقل والحظر، كما أنه يغطي فقط إنتاج الخبز للمواطنين الذين يحصلون عليه من خلال بطاقات التموين لا يشمل الخبز الحر غير المدعم ولا القمح الخاص بإنتاج المكرونة وغيرها".
انعكاس الغلاء على التضخم
هذا الغلاء انعكس على معدلات التضخم، إذ ارتفع معدل التضخم السنوي لإجمالي الجمهورية خلال شباط/ فبراير الماضي للشهر الثالث على التوالي ليسجل 10 بالمئة مقابل 4.9 نفس الشهر العام الماضي أي الضعف، بحسب بيان للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، وهو أعلى معدل منذ بدأ مسلسل الهبوط. منذ منتصف عام 2019.
وجاء معدل التضخم السنوي في شباط/ فبراير أعلى من التوقعات نتيجة الارتفاع في أسعار الأغذية والمشروبات وعلى رأسها الخضروات والفواكه ثم الحبوب والخبز والزيوت واللحوم الحمراء والبيضاء والأجبان والبيض.
صندوق النقد الدولي أعرب بدوره عن قلقه من تقلبات الأسعار وارتفاعها، وقالت مديرة الصندوق كريستالينا جورجيفا، الأسبوع الماضي، إنها قلقة من تأثير ارتفاعات أسعار الغذاء والنفط على المصريين، وأن الصندوق منخرط بالفعل في مناقشة مع مصر حول كيفية استهداف الفئات السكانية الضعيفة والشركات المعرضة للخطر.
انعكاس كارثي على الفقراء
من جهته، توقع الخبير الاقتصادي علاء السيد، أن "يتأثر المواطن المصري بشكل كبير جراء الارتفاع المبالغ فيه في الأسعار ولا سيما الطبقات الفقيرة ومحدودي الدخل وهما أشد المتضررين من الغلاء، وسوف تضطر الدولة إلى رفع الدعم جزئيا عن رغيف الخبز وتقليص المستفيدين منه وكذا فيما يتعلق بزيادة أسعار المحروقات مما سيتسبب في موجة غلاء جديدة لكل السلع الغذائية".
وأضاف: "أن الأزمة وإن كانت عالمية والتضخم مستورد من الخارج فذلك لأنه نتيجة السياسات الاقتصادية الحكومية الخاطئة والتي تجاهلت خطط تأمين ما تحتاجه البلاد من الزراعة والصناعة من أجل تحقيق الأمن الغذائي وعدم الاعتماد على الخارج في توفير السلع الغذائية الرئيسية".
واستدرك السيد: "يتبقى أثر هذه الأحداث العالمية على الشعب المصري الذي يقبع نحو 60 بالمئة منه تحت خط الفقر وتتلاشى تدريجيا الطبقات المتوسطة وفوق المتوسطة من الشعب تحت ضغوط هائلة دون زيادة في الإنتاج أو إصلاح هيكلي حقيقي للاقتصاد المصري".
استقرار الأسعار وتوفير السلع تعد أحد الضمانات لاستقرار النظام في مصر، حيث يقول معهد الشرق الأوسط للأبحاث، مطلع الشهر الجاري، في تقرير له إن "الحفاظ على أسعار المواد الغذائية الأساسية في مصر وجعلها في متناول اليد هو حجر الأساس لاستقرار النظام".
مع هذا الزخم من الأخبار السلبية واحتمالات رفع أسعار الفائدة أسوة بالفيدرالي الأمريكي، من المتوقع أن تواصل معدلات التضخم السنوية في مصر ارتفاعها خلال الشهور المقبلة متجاوزة مستهدفات البنك المركزي وفقا لتوقعات بعض المحللين والخبراء.