عندما تولت الملكة إليزابيث العرش في الـ25 من عمرها، منذ ما يقارب الـ70 عاما، كانت شمس الإمبراطورية البريطانية قد بدأت لتوها في الغروب والتلاشي، فتمسكت بأهداب ما بقي من خيوط أشعتها، محاولة على مدار العقود السبعة أن يظل ما ورثته في قبضتها.. ولو شرفيا.
الآن، وبعد أن توفيت إليزابيث، أصبحت هيمنة النظام الملكي أقل اتساعًا وولاء رعاياها أكثر تطوعية، حبا في الموروث والتقاليد التي تذكرهم بأيام ورث بعضهم من عزتها وسؤددها، وآخرون ورثوا ولاء صنع مع أرباب المصالح، وإلا فإن الحقيقة أنها كانت دولا محتلة، تنقل خيراتها إلى آخرين... وتلك من عجائب التاريخ.
فـ "إليزابيث" كانت ملكة ورئيسة مباشرة لـ 15 دولة، ثم هي رمز شرفي لـ "كومنولث" أوسع بكثير، يضم 56 دولة يتبعها فيها أكثر من 2.5 مليار شخص من كندا إلى أستراليا، وجامايكا إلى غانا، وباكستان إلى فيجي.
ولكن مع تولي ابنها الملك تشارلز الثالث الذي يبلغ السبعين من العمر زمام الأمور، فإن احتمالات تماسك هذا العالم الشاسع تبدو قاتمة.
انفصال سريع
ففي غضون أيام من وفاة إليزابيث يوم الخميس الماضي، أعلنت أنتيغوا وبربودا عن خطط للتصويت على عزل الملك تشارلز الثالث من رئاسة الدولة.
وقد جاء إعلان أنتيغوا وباربودا بعد أشهر فقط من إعلان جامايكا المجاورة أنها تريد الانتقال بعيدًا عن الملكية الدستورية بحلول عام 2025 وبعد أقل من عام من انفصال باربادوس عن التاج في خطوة تاريخية أنهت الحكم الملكي البريطاني الذي دام 29 عامًا، في حين كانت الدولة السابقة التي انفصلت هي جزيرة موريشيوس في عام 1992.
ومع هذا الانفصال القاطع هناك عدد من الدول تتمناه، لكنها لا تستطيع تحقيقه حاليا، فرئيسة الوزراء النيوزيلاندية، جاسيندا أرديرن، على سبيل المثال كانت لها تصريحات بالأمس تؤكد أن بلادها ستستقل عن التاج البريطاني في يوم ما.
فوفقا لـ"التايم" الأمريكية، أوضحت أرديرن، أن نيوزيلندا والتي هي إحدى دول الكومنولث، وتتبع مباشرة ملك المملكة المتحدة، لن تصبح جمهورية في المستقبل القريب، معللة بأن هذا الأمر يحتاج إلى إجراءات طويلة.
وقالت: "أعتقد أن هذا (التحول إلى الجمهورية) هو المكان الذي ستتجه إليه نيوزيلندا في الوقت المناسب، وأعتقد أنه من المحتمل أن يحدث في حياتي، ولكني لا أرى أنه إجراء قصير الأجل"، لافتة إلى عدم وجود "أي شيء على جدول الأعمال في أي وقت قريب".
ومع تلك التصريحات من جانب أرديرن إلا أن استطلاعا حديثا للرأي أظهر أن الأغلبية تفضل الحفاظ على العلاقات مع النظام الملكي حتى بعد وفاة الملكة.
أستراليا ستتحرك
وفي المقابل فإن استراليا كما تقول صحيفة بولتيكو نقلا عن إليزابيث براو، زميلة بارزة في معهد أمريكان إنتربرايز المتخصص في المملكة المتحدة، وعلى الرغم من هزيمة استفتاء عام 1999 حول ما إذا كان سيتم استبدال النظام الملكي برئيس، فقد عين رئيس الوزراء المنتخب حديثًا أنتوني ألبانيز هذا العام أول وزير في البلاد يقود عملية الانتقال لتصبح جمهورية.
وأوضحت أنه ومع رحيل الملكة الآن واستبدالها بالملك تشارلز الثالث الأقل حبًا، يستعد الجمهوريون في أستراليا لإعادة الاستفتاء، إلا أنه من غير المرجح أن يحدث هذا على المدى القصير، حيث تعهد ألبانيز في حملته الانتخابية في وقت سابق من هذا العام بأنه لن يجري استفتاء على الجمهورية حتى ولايته الثانية.
كندا.. الشعب مختلف مع سلطته
في كندا، أشاد رئيس الوزراء جاستن ترودو بالملكة يوم الخميس باعتبارها "واحدة من الأشخاص المفضلين لدي في العالم"، لكن يبدو أن للشعب الكندي رأي آخر في طبيعة العلاقة مع التاج البريطاني.
فقد أظهر استطلاع للرأي أجري عام 2021 من معهد "أنجوس ريد" غير الربحي أن 34% فقط من المستطلعين سيؤيدون بقاء الملك تشارلز على رأس الدولة.
وفي جاميكا أعلن رئيس الوزراء الجامايكي أندرو هولنس أن بلاده ستسعى أيضًا إلى "أن تصبح دولة مستقلة" خلال زيارة حفيد الملكة الأمير وليام في وقت سابق من هذا العام.
يشار إلى أن الملكة إليزابيث توفيت في الثامن من سبتمبر/ أيلول الجاري، بعد أن حكمت المملكة و14 مملكة من دول الكومنولث لأكثر من 70 عامًا، عن عمر 96 عامًا.
وقد تم إعلان ابنها الأكبر تشارلز الثالث رسميًا ملكا جديدا للمملكة المتحدة أول السبت الماضي.