بصراحة هذا الموضوع يشغل الكثيرين في فلسطين، ويتم إثارته بين الحين والآخر لأن لكل نوع من الأنشطة الاقتصادية نستخدم عملة مخصصة، فالأنشطة التجارية الداخلية وأسعار السلع نستخدم لها عملة الشيقل الإسرائيلي، لشراء الشقق والإيجار وشراء السيارات والمعاملات التجارية الخارجية نستخدم عملة الدولار الأمريكي، لتحديد الذهب وتحديد المهور ودفع الرسوم الجامعية نستخدم عملة الدينار الأردني، أما الرواتب فنستخدم فيها العملات الثلاث، في حين أن مناقصات المشاريع الدولية ترتبط بالمانحين و يتم استخدام عملات أخرى مثل اليورو.
والأسئلة التي تدور في الأذهان هي لماذا نستخدم ثلاث عملات في الأراضي الفلسطينية؟ وهل استخدامنا لهذه العملات ينبع من العرف والعادة أم هو ضرورة لعدم وجود عملة وطنية؟ وهل يمكننا الاستغناء عن الدينار الأردني في المعاملات؟ وهل يمكن في غزة أن نستخدم الجنيه المصري مستقبلاً؟ سنحاول في هذا المقال استعرض أبرز ما جرى نقاشه مع الخبراء والمختصين في هذا المجال للإجابة على التساؤلات السابقة.
بداية ينص بروتوكول باريس الّذي تمّ توقيعه في عام 1994 بين منظّمة التّحرير و"إسرائيل"، في الفقرة (أ) من البند 22 منه على أن "الشيكل "الإسرائيليّ" الجديد واحد من العملات المتداولة في المناطق، وسيستخدم هناك، وبشكل قانونيّ كوسيلة للدفع لكلّ الأغراض، بما فيها الصفقات الماليّة الرسميّة، أيّ عملة متداولة، ومن ضمنها الشيكل، سيتمّ قبولها من السلطة الفلسطينيّة وكلّ مؤسّساتها والسلطات المحليّة والبنوك لدى عرضها كوسيلة دفع مقابل أيّ صفقة".
الشيقل يفرض نفسه بقوة في الاستخدام في المعاملات لسبب بسيط، وهو أن معظم واردات الأراضي الفلسطينية من "إسرائيل" ومسعرة بالشيقل ولدينا حوالي 250 ألف عامل يعملون في "إسرائيل" يتلقون أجورهم بالشيقل، وعملة الحكومة وعملة الاستخدام اليومي هي الشيقل، إضافة الى ضرائب المقاصة لذا وفي ظل عدم وجود عملة وطنية سنظل نستخدم الشيقل..
يعود استخدام الدينار الأردني في الأراضي الفلسطينية إلى ثمانينات القرن الماضي بسبب عدم استقرار سعر العملة "الإسرائيلية" نتيجة لعدم الاستقرار السياسي، مما دفع الفلسطينيين بوجه عام إلى التمسك في تعاملاتهم بالدينار الأردني، كونه أكثر استقرارا، وبعد مجيئ السلطة الفلسطينية في العام 1994، كان هناك اتفاقية اقتصادية رسمية بين السلطة الفلسطينية والمملكة الأردنية، وبموجبها لا يجوز لأي طرف اتخاذ تدابير منفردة من جانب واحد بشأن استخدام العملة ويقصد هنا الدينار، إلا بموجب تفاهمات ثنائية متفق عليها، وجاءت هذه الاتفاقية لأن أي استخدام لعملة وطنية فلسطينية سيؤثر على الدينار الأردني، ومن الناحية الاقتصادية ليس هناك مخاطر لاستخدام الدينار الأردني، لأنه يخضع لسعر الصرف الثابت ومربوط رسمياً بالدولار الأمريكي على سعر رسمي 0.709 دينار لكل دولار منذ تسعينات القرن العشرين، وبالتالي فهو آمن طالما أنه مربوط بالدولار وتغيرات سعر صرفه مقابل الشيكل نابعة أساساً من تغيرات الدولار نفسه ليس أكثر، التقلبات ومخاطر أسعار الصرف هي بين الدولار والشيكل بشكل أساسي.
أما بخصوص الجنيه المصري، فهو كثير التذبذب أمام العملات الأخرى وبنظرة اقتصادية لا يتناسب إطلاقاً مع ظروف الاقتصاد الفلسطيني لاعتبارات عديدة، ولو افترضنا صلاحيته فهذا يعني اتحاد نقدي مع مصر، وهذا الأمر له اشارات ودلالات سياسية ووفق النظرة التاريخية هو أمر مرفوض مصرياً.
والخلاصة ، في ظل غياب البنك المركزي الفلسطيني و العملة الفلسطينية يبقي الواقع النقدي الحالي المستخدم و القائم على تعدد العملات المستخدمة ربما هو أفضل الخيارات للاقتصاد الفلسطيني في ظروفه السياسية والاقتصادية الحالية، فمعدل التضخم في "إسرائيل" هو الأدنى مقارنة مع دول العالم المتقدم نظراً لتشدد السياسة النقدية "الإسرائيلية" في الحفاظ على الاستقرار النقدي ونحن مستفيدين من ذلك بالتبعية النقدية من وجهة نظر اقتصادية بحتة حيث أن معدل التضخم عندنا حالياً حوالي 3.5%، ولو كان عندنا عملة وطنية من الصعب ضمان ثباتها و استقرارها ربما حالها سيكون كحال عملات الدول الناشئة، كما أن استخدام الدولار يأتي في سياق كونه أحد العملات الأكثر انتشاراً واستخداماً في التجارة الخارجية والمعاملات الدولية، أما بخصوص الدينار الأردني فتنبع ضرورة استخدامه من الارتباط الكبير بين فلسطينيي الضفة الغربية والمملكة الأردنية ووجود اتفاق ينظم هذا الأمر، وموضوع العملة ليس موضوع عاطفي بل موضوع خطير يؤثر على كل مواطن.