10.57°القدس
10.33°رام الله
9.42°الخليل
15.91°غزة
10.57° القدس
رام الله10.33°
الخليل9.42°
غزة15.91°
السبت 22 مارس 2025
4.8جنيه إسترليني
5.24دينار أردني
0.07جنيه مصري
4.02يورو
3.72دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.8
دينار أردني5.24
جنيه مصري0.07
يورو4.02
دولار أمريكي3.72

"سياسات الكيان العدوانية ستعزز من أزماته الوجودية"..

قراءة في توصيات معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي لعامي 2025 و2026

244bf9bd5c4474dc8dc6ca4c674c279f_XL.jpg
244bf9bd5c4474dc8dc6ca4c674c279f_XL.jpg
القدس المحتلة - فلسطين الآن

يكتسب معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي أهمية من حيث نوعية كادره الذي يشمل مسؤولين سابقين في حكومة الكيان وضباطًا في الجيش والاستخبارات، وقرب باحثيه من دوائر صنع القرار، ومن أبرزهم: مدير المعهد ورئيس مديرية المخابرات العسكرية بين عامي 2018- 2021 اللواء (احتياط) تامير هايمان.

نشر المعهد دراسة بعنوان “حالة الأمن القومي الإسرائيلي: المبادئ التوجيهية للعقيدة والسياسات لعامي 2025- 2026” من إعداد مجموعة من خبراء المعهد، قدموا فيها لحكومة الكيان الإسرائيلي توصيات للتعامل مع التهديدات الداخلية والخارجية في ضوء البيئة الإقليمية والدولية المتغيرة. 
وفيما يلي استعراض موجز ما تضمنته هذه الورقة من توصيات، ومناقشة لأبرزها في ضوء التحولات التي تشهدها المنطقة مؤخرًا.

عقيدة الأمن القومي الإسرائيلية

يقوم مفهوم الأمن القومي الإسرائيلي على أربع ركائز مترابطة فيما بينها هي: القوة العسكرية، والاقتصادية، والدبلوماسية، والتماسك الداخلي، وهي ركائز تؤسس للوصول إلى الشرعية التي يسعى الكيان لتحقيقها والحفاظ عليها داخليًا وإقليميًا ودوليًا بما يضمن عدم عُزلته ويحفظ أمنه على المدى الطويل.

القوة العسكرية

تقوم الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية على نظرة مفادها أن دول المنطقة وشعوبها لن تقبل بوجود الكيان الإسرائيلي ما لم تقنعهم قوته العسكرية بالتخلي عن تحدي هذا الوجود، وذلك باتباع المبادئ التي أرساها رئيس الوزراء الأول للاحتلال دافيد بن غوريون، وهي: “الردع” و”التحذير المبكر” و”النصر الحاسم”. وبعد الحروب المتكررة التي خاضها جيش الاحتلال، أضاف إلى هذه الاستراتيجية مبدئي “الدفاع” و”المنع”.

فعبر “النصر الحاسم” يحقق الكيان مبدأ “الردع” الذي يقلص فرص المواجهة العسكرية لدى أعدائه خوفًا من الأضرار التي ستلحق بهم اعتمادا على إبقاء الهزيمة حية في ذاكرة “أعداء إسرائيل” لا مجرد التفوق العسكري الإسرائيلي. وللمحافظة على “الردع” يتطلب ذلك القدرة على توفير “التحذير المبكر” من أي تهديد مفاجئ يستهدف أمن الكيان عبر الجهد الأمني والاستخباري.

يتشكل مبدأ “الدفاع” من القدرات الدفاعية والتماسك الداخلي للكيان بما يتيح له امتصاص الضربات والتعافي المبكر واستعادة زمام المبادرة، بينما يتجلى مبدأ “المنع” في عمليات “المعركة بين الحروب” خارج فلسطين المحتلة التي سعى من خلالها لتشكيل واقع يناسبه بشكل استباقي.
وفي حالة الحرب، يحرص الكيان على خوض حروب قصيرة لكونه يعتمد على قوات الاحتياط، ونقل الحرب إلى أراضي (العدو) لافتقاره إلى العمق الجغرافي الكبير، والقتال المتزامن على جميع الجبهات مع إعطاء أولوية الحسم لكل جبهة على حدة وفق الأولويات الميدانية.

القوة الاقتصادية

يحرص كيان الاحتلال منذ تأسيسه على توفير اقتصاد قوي يحفظ له رأس ماله البشري ومكانته الإقليمية، ونتيجة ضعف الموارد الطبيعية يركز على جانب التكنولوجيا الفائقة التي تمثل أكثر من نصف صادراته ومعظم الاستثمارات الأجنبية لديه. ولكون استهلاكه يعتمد على الواردات، فإنه يولي اهتمامًا كبيرًا لـمنع مقاطعة إسرائيل والسعي للوصول إلى أسواق جديدة توفر له المرونة الاقتصادية.

التماسك الداخلي

يتشكل تماسك الجبهة الداخلية الإسرائيلية من خلال تحقيق التضامن بين أفراد المجتمع، وتوفر الموارد الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم والغذاء والمياه والبنية التحتية الحيوية، والقدرة على تحمل الخسائر والتعافي منها سواء كانت في الأرواح أو الموارد.

القوة الدبلوماسية

ضمن محيط عربي وإسلامي رافض له، يسعى الكيان باستمرار للوصول إلى اتفاقيات وتفاهمات مع محيطه الإقليمي الرسمي لإخراج أنظمة المنطقة من دائرة الصراع بما يحد من التهديدات والعزلة الدبلوماسية. وضمن علاقته الاستراتيجية بالدول الغربية، تولي إسرائيل الأهمية الأكبر لعلاقتها الخاصة مع الولايات المتحدة معتمدة على علاقاتها مع الحزبين الجمهوري والديمقراطي عبر قوى الضغط المتمثلة في الجالية اليهودية المؤثرة هناك.

توصيات الأمن القومي لعامي 2025- 2026

حول إيران ومحورها الإقليمي

لا زالت إيران ومحورها رغم تراجعها تشكل هاجسًا بالنسبة للكيان الإسرائيلي، خاصة فيما يتعلق بالبرنامج النووي ومحورها الإقليمي والتهديد العسكري المباشر. 
وأمام احتمالية الوصول إلى اتفاق نووي جديد بين طهران وواشنطن، يوصي معهد دراسات الأمن القومي بالسعي للمشاركة في صياغة الاتفاق بما يضمن تجميد التقدم النووي الإيراني ويوقف تهديده. أما إذا كان الاتفاق بعيد المنال، فإنه يوصي بضمان تطبيق العقوبات الشديدة على إيران والتنسيق الاستخباري والدبلوماسي مع الولايات المتحدة بحيث لا تتجاوز إيران تخصيب اليورانيوم بنسبة 90%، وإلا فإن ذلك يستدعي عملًا عسكريًا سواء بمساعدة أمريكية أو بدونها، وفقًا لتوصية المعهد.

أما فيما يتعلق بمحورها الإقليمي، يرى المعهد أن جماعة أنصار الله الحوثيين في اليمن هم أكثر وكلاء إيران استقلالية في المنطقة بما يحد من سيطرة طهران عليهم. 
ولذا، يقترح التنسيق مع دول الخليج لتطوير تحالف إقليمي- دولي وتدخل إسرائيلي مباشر لردع الحوثيين بما يمنعهم من تهديد سلاسل التوريد البحرية من جديد. وعلى الجبهة مع لبنان، يوصي بضبط قواعد الاشتباك بما يحفظ لجيش الاحتلال حرية العمل ضد حزب الله ومنع تسليحه، مع توسيع الحشد العسكري في الشمال.

 وعلى المستوى السياسي، يقترح المعهد دعم إعادة الإعمار عبر استثمارات غربية وخليجية لموازنة المساعدات الإيرانية، ودعم الجهد السياسي للحد من نفوذ حزب الله في المشهد اللبناني، والبحث عن فرص تحسين العلاقات بين كيان الاحتلال ولبنان.
 التطبيع مع السعودية، يطرح المعهد خيار إنعاش هذا المسار من خلال التعاون الأمني والاقتصادي بإشراف أمريكي، وترميم صورة الكيان لدى الشعوب العربية عبر علاقات سلمية وتجنب ضم الضفة الغربية أو التوسع الاستيطاني في غزة.

ترميم العلاقة مع الولايات المتحدة والمجتمع الدولي 

في مقابل تراجع مكانة إسرائيل دوليًا، يوصي معهد دراسات الأمن القومي بترميم قيمة الكيان الاستراتيجية بما يتوافق مع المعايير الغربية والمصالح الأمريكية والأوروبية. وفي واشنطن، يوصي بضرورة الحفاظ على العلاقة مع كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي تفاديًا لتداعيات تقلب المشهد السياسي الأمريكي وضعف اللوبي المؤيد لإسرائيل. كما يشير لأهمية تعزيز العلاقات الاقتصادية مع الدول الأوروبية وإن تطلب ذلك موقفًا إسرائيليًا أكثر حزمًا تجاه روسيا مع الحفاظ على القنوات الدبلوماسية الحيوية معها.

اليوم التالي للحرب في فلسطين

رغم الضرر الذي ألحقته الحرب بقدرات المقاومة، إلا أن عودة سيطرة حركة حماس على قطاع غزة وتفكك السلطة الفلسطينية يثيران قلق إسرائيل. لذا، يوصي معهد دراسات الأمن القومي بإنشاء إدارة مدنية فلسطينية في غزة تتبع للسلطة ولا تُمثل فيها حماس، بحيث تدعمها مصر والسعودية والإمارات والأردن وتشرف عليها الولايات المتحدة.

وحول ضم الضفة الغربية، يعتقد المعهد أن ذلك يهدد “يهودية إسرائيل وديمقراطيتها وأمنها” ويخاطر بعزلها على المسرح العالمي، ولذا يوصي بتبني خيار فصل الكيان عن الفلسطينيين ديموغرافيًا وسياسيًا وإقليميًا، سواء عبر إقامة كونفدرالية أو حكم ذاتي فلسطيني داخل الأراضي المحتلة أو “في الأراضي الأردنية”، أو وفق “حل الدولتين”، أو عبر خطة التهجير التي يقترحها الرئيس الأمريكي ترامب.

التهديدات الداخلية

تواجه "إسرائيل" تهديدات تتعلق بشرعيتها المحلية والجدل بخصوص نظام التجنيد الاحتياطي في الجيش وتآكل الروح القتالية، إلى جانب تباطؤ عمليات التطوير وتداخل المستويين السياسي والعسكري والانقسامات الاجتماعية والانكماش الاقتصادي.

وفي مواجهة كل ذلك، يوصي المعهد بتطوير عقيدة دفاعية جديدة تستفيد من دروس معركة “طوفان الأقصى” وتركز على الضربات الاستباقية، إلى جانب تأمين استعادة جميع الأسرى لدى فصائل المقاومة، وإعادة تأهيل مستوطنات النقب الغربي والشمال، وزيادة التجنيد الإجباري بما يشمل المتدينين اليهود الحريديم وعرب الداخل المحتل.

عالم “ما بعد 7 أكتوبر”
في ضوء ما سبق وربطًا بالتطورات الفلسطينية والإقليمية المستمرة، فإن الكيان الإسرائيلي يتبع سياسة أكثر عدوانية قد تحقق له بعض المكتسبات التكتيكية لكن يُرجح أن تؤول إلى هزيمته استراتيجيًا على المدى الأبعد.

لقد زعزعت معركة “طوفان الأقصى” المرتكزات التي قامت عليها عقيدة الأمن القومي الإسرائيلي لعقود، وباتت جميعها محل دراسة وشك بما سيفتح الباب أمام مراجعات كثيرة لن تكون هذه الوثيقة أولها. وأمام حالة عدم اليقين والشعور الإسرائيلي بانعدام الأمن، تؤكد تحركات جيش الاحتلال وقرارات حكومة نتنياهو نهج الكيان لفرض واقع جديد لصالحه في المنطقة ككل، بينما لا يمكن استبعاد الخيار العسكري تجاه إيران في ظل نشوة عملية “البايجر” واغتيال حسن نصر الله المهيمنة على عقل نتنياهو.

في المقابل، ستعزز سياسات الكيان العدوانية من أزماته الوجودية، فالضغط على غزة لتهجير أهلها ومحاولة استنساخ الحرب المدمرة في الضفة الغربية يستهدفان بشكل مباشر صورة النموذج الغربي الذي سعى الكيان للصق مشروعه بها، ويكرسان مشروعًا قوميًا دينيا إقصائيًا. 

كما أن السياسات الخارجية تجاه مصر والأردن والتحركات الميدانية في سوريا ولبنان تعملان بعكس المسار الذي أسست له اتفاقيات التطبيع، وتعمقان من أزمة الكيان ضمن محيط غير متصالح معه ويشعر بالخطر من وجوده. 

وسيكون لذلك تداعياته على الاقتصاد الإسرائيلي المعتمد بشكل كبير على الواردات، بما يعزز حالة المقاطعة الشعبية العربية ويقلص من إمكانية وصوله إلى أسواق جديدة ما يحد من هامش المناورة الاقتصادية.

كل ذلك مرتبط بتماسك الجبهة الداخلية للكيان، فالسلم والأمن والرخاء الاقتصادي والنموذج الديمقراطيات محل شك لدى كثيرين من الإسرائيليين، والحرب المستمرة لن تكون وسيلة لتحقيق ذلك مثلما لم تحققه من قبل.

ولذلك، فإن مشهد الصراع مع "إسرائيل" يرجح أن يكون على موعد مع أحداث فجائية لن يكون يوم العبور في 7 أكتوبر آخرها، فالسياسات الإسرائيلية العدوانية ستفرض على الجميع خيارات لم تكن محبذة بالنسبة لبعضهم.
 

المصدر: فلسطين الآن