خرج خربوش من عند عبد الكريم وقد ازداد قناعة بخطورة عبد الرحمن ودوره المؤثر في الكثير من أصحابه. كان يتساءل في نفسه عن السبب، "أي سحر ذلك الذي يمتلكه عبد الرحمن في جذب الناس إليه؟! لماذا يحبونه ويخلصون له ولا يتأثرون بتشويشات المشوشين؟!". استرجع ما دار بينه وبين عبد الكريم، حيث بادره قائلاً: - لقد جئت لك بفرصة ذهبية! - وما هي؟! - عمل في الضفة الشرقية مع جواز سفر ومنزل! - لا يمكنني ترك عبد الرحمن، أعتذر لك، وأشكرك. - ما شأن عبد الرحمن بالأمر؟! - يا صاحبي، أنا قادم من سفر، وقد خبرت الكثير من الرجال، فلم أجد نظيراً لعبد الرحمن، وإخلاصه، وحرصه على إخوانه! - لكل زمان ومكان دولة ورجال! الخير موجود في كل مكان! - صدقت، لعبد الرحمن إخوان يكافئونه، لكن حبي لعبد الرحمن أكبر! - لماذا؟! - لو كنت صادقت غير عبد الرحمن يا خربوش لنالك من الشر ما نالك! وانقطع بك الحبل ودُفعت إلى استقواء نفسك عليك...، لكن صبره وحرصه على الدفع الإيجابي معك حكاية نادرة تضيء لك الكثير من التساؤلات! - ولماذا يصبر عليّ؟! لعله لا يستطيع الاستغناء عني! - إنه يدرك أن تصويب الخطأ نبع من ينابيع امتلاك الخير الكبير، إنه حكيم يدرك أن الوقوع في الخطأ ديدن البشر، وأن الأخطاء كنز التجربة، ومرتكز التغيير نحو الأفضل! - كيف؟! - ألم تسمع بحكاية واطسون؟! - وما حكايته يا صاحب بيدبا؟!!! - ارتكب أحد المديرين التنفيذيين الناشئين خطأ كبيراً كلف شركة (أي بي إم) حوالي عشرة ملايين دولار، اُستدعي المدير الصغير إلى مكتب رئيس الشركة توم واطسون، نظر المدير الصغير إلى رئيسه، وقال له: أعتقد أنك تريد مني تقديم استقالتي، أليس كذلك؟! نظر إليه توم واطسون، وقال: بالطبع لا، لا يمكن للشركة أن تستغني عنك، لقد أنفقنا قبل قليل عشرة ملايين دولار في تدريبك! - فهمت! *** سار خربوش على غير هدى في الشارع وهو يتذكر حكاياته مع عبد الرحمن، يخجل من بعضها ويغتاظ من بعضها ويفخر بمواقف منها، لمح عبد الرحمن يسير في الشارع القريب، سار وراءه دون شعور منه، رآه يقترب من بيت صديقهما أديب، يطرق الباب ويدخل بعد استئذان، تأججت مشاعره، ودارت به دوائر الظنون، وأوشك أن يجري باتجاه بيت عبد الكريم ليصرخ فيه: أدرك صاحبك الحميم وهو يجلب لنفسه الشبهة! ما الذي يأتي بك يا عبد الرحمن لبيت أديب وهو غائب؟! أهذا أنت يا رجل الخير والفضائل والمبادئ؟! لكن هاجس الخطأ في التقدير انبثق في قلب خربوش، ووجد صورة عبد الرحمن الطيب تملأ وجدانه، وصوته يتهادى حييّاً واثقاً، وهو ينصح صاحبه بالتروي. تذكره يوم حكاية باب النجار والورشة، وهو يتلقى النصيحة بحبٍّ وحرص، وجاء في ذاكرته حواره عن نصف العدل الظالم. *** قطع خربوش الشك باليقين، وطرق باب بيت أديب، جاء صوت والد أديب من وراء الباب ضعيفاً، طرق الباب ثانية، وتأكد من إذن والد أديب له بالدخول، دخل خربوش على استحياء، ليجد الرجل مسجى على فراش المرض، وعبد الرحمن يعد له وجبة الدواء، ارتسمت ملامح الفرح على وجه عبد الرحمن وهو يرى خربوش ظاناً أنه جاء مثله لتفقد حال والد صديقهما المريض. رحب الرجلان به خير ترحيب، وهو يداري خجله. ووجد نفسه تنغمس في حوار أسري جميل، وزادت سعادته لما شبك عبد الرحمن الحاسوب بالشبكة العنكبوتية وأطلّ من وراء الشاشة وجه أديب صاحب البسمة الدائمة، الذي تحدث بمرح، مازجته دموع الشوق، ونبرة العرفان. لم تنته الجلسة إلا وقد اعتدل الوالد في فراشه، وقد جاشت في قلبه الحيوية، وتغلغل في جسمه النشاط. *** خرج عبد الرحمن وصاحبه من منزل أديب، والابتسامة الحانية تغمر وجهه، وخربوش تنثال من عينيه الدموع خفية، قال خربوش: - هكذا أحبك الناس يا عبد الرحمن! - الإحسان بوابة الحب. - عم تبحث يا عبد الرحمن؟ - عن الذهب الحقيقي! - وما هو نوع الذهب الذي تبحث عنه؟! - الخير الصافي، وعبور رحلة الحياة بأمان، يسمحان بطمأنينة نسبية في إمكانية رضا الله! - كيف أصبح مثلك؟! - ألم تسمع بحكاية الملياردير الشهير؟! ابتسم خربوش وهو يقول: - وما حكايته يا سيد بيدبا؟! - كان مالك إحدى الشركات غنياً للغاية، وكان لديه خمسة وأربعون مليونيراً يعملون لديه، سأله أحد الصحفيين: كيف تمكنت من إقناع هذا العدد الكبير من المليونيرات بالعمل لديك؟! أجاب الرجل: عندما بدؤوا العمل لدي لم يكونوا مليونيرات!.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.