أين هي الأرض التي ستقام عليها الدولة الفلسطينية المستقلة؟، هذا السؤال موجه إلى مجلس الوزراء الفلسطيني برام الله الذي اجتمع منتصف هذا الأسبوع ، وقرر "أن الهبة الشعبية لا يمكن إنهاؤها بالإجراءات الأمنية القمعية التي تتخذها الحكومة الإسرائيلية تجاه المواطنين، والحل الوحيد يأتي بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس".
فهل يعرف مجلس الوزراء شيئًا عن مساحة الأرض التي يمارسون عليها صلاحياتهم؟، ومساحة الأرض التي صارت يهودية؟، هل تملكون إحصاءً رسميًّا بعدد الفلسطينيين المقيمين في مساحة 62% من الضفة الغربية، التي يقيم فيها نحو 700 ألف يهودي؟
وهل سألتم أنفسكم عن الطريقة التي ستقيمون بها الدولة الفلسطينية؟، وكيف ستطردون كل هذا العدد من اليهود الصهاينة الذين أقاموا عشرات المدن والتجمعات الاستيطانية في الضفة الغربية؟، وهل لديكم سلاح نووي يصحح انحراف عقل هؤلاء المتطرفين الذي يقسمون أن مدن نابلس والخليل وبيت لحم ورام الله هي ملك خالص لهم؟، وهل تصدقون أن الضغط الدولي سيرحل مليون يهودي إلا ربعًا من أجل عيون مجلس الوزراء الفلسطيني؟
لماذا يحاول الساسة الفلسطينيون ستر عورة الواقع بشعار الدولة الفلسطينية المستقلة؟، لماذا لا نعترف باستحالة الاستجابة الدولية لما طالب به مندوب فلسطين في الأمم المتحدة رياض منصور، الذي طالب بإجبار الكيان العبري على الانصياع للمطالب الدولية والقرارات ذات الصلة، وألا يسمح له بأن يأخذ حل الدولتين ليخزنه في أرشيف التاريخ؟
لقد نجح الاحتلال فعلًا في تخزين فكرة حل الدولتين في أرشيف التاريخ، ذلك ما حذر منه المبعوث الأممي الخاص للشرق الأوسط نيكولاي ملادينوف، الذي قال في كلمة له أمام مجلس الأمن الدولي قبل مدة: "إن فكرة حل الدولتين للنزاع بين الفلسطينيين والإسرائيليين تضاءلت، وإن طريق حل الدولتين مهدد لأسباب عدة، من بينها بناء المستوطنات، والحوادث الأمنية، والعنف الناجم عن الاحتلال، وغياب الوحدة الفلسطينية".
لقد أهال الواقع التعيس التراب على مشروع حل الدولتين، وهذا ما أكده رئيس (شاباك) السابق يوفال ديسكين الذي قال: "إن الوضع الحالي في (إسرائيل) يتجه نحو حل الدولة الواحدة الثنائية القومية؛ فحل الدولتين بات بعيدًا"، وأضاف لموقع (واللا) العبري الإلكتروني: "إن الأمور آخذة بالتغير، مثل قصة القط الذي تحول إلى كلب، لكن عملية التحول نفسها لا تلحظ، وإنما ترى النتيجة النهائية".
وتابع ديسكين: "الكلب في هذه الحالة هو الدولة الثنائية القومية، وفي نهاية الأمر لن نتمكن من صنع الفصل، ويا للأسف!، نحن ذاهبون إلى هناك، والأصح أننا منقادون".
وذلك ما ذهب إليه جدعون ليفي في صحيفة (هآرتس) حين قال: "إن العودة إلى حل الدولتين ليست سيئة، لكنه فوّت، فمن أراد دولة يهودية كان يجب عليه أن ينفذه عندما كان الأمر ممكنًا، إنما من أحرقه عن وعي أو دون فعل شيء يجب عليه أن ينظر الآن باستقامة إلى الواقع الجديد: 600 ألف مستوطن لن تخلى المستوطنات منهم، ودون الإخلاء لن توجد دولتان، وعندما لا توجد دولتان يبقى فقط حل الدولة الواحدة".
تلك الرؤية الإسرائيلية الواضحة للمستقبل الغامق للمنطقة تفرض على مجلس الوزراء أن يكون صادقًا مع نفسه، وواضحًا مع الجيل الجديد، وأن يدعو القيادات السياسية إلى مناقشة الأسباب التي أوصلت القضية الفلسطينية إلى هذا المأزق، فذلك أفضل من الإصرار على خداع الجماهير بترديد موقف القيادة الذي ينادي بقيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس، وهم يدركون بحكم الواقع استحالة تحقيق هذا الشعار، الذي تتاجر به هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، وهي تسعى للفوز بترشيح الحزب الديمقراطي لخوض انتخابات الرئاسة، فلجأت إلى ترديد مقولة: "إن حل الدولتين هو الحل الوحيد للصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين"، وهذا ما لجأ إليه الرئيس الأمريكي قبل يومين حين قال: "إن أنسب حل للصراع هو قيام دولتين"، في الوقت الذي عجز فيه هذا الرئيس عن منع التوسع الاستيطاني في مدينة القدس.
يا حبذا لو خرج صوت رسمي فلسطيني يعترف بالمتغيرات الإستراتيجية التي أحدثها الاحتلال على أرض الضفة الغربية، ورمت إلى تصفية حل الدولتين، يا حبذا لو طرحت هذه الحقائق بمصداقية للنقاش الجماهيري والتنظيمي للخروج برؤية سياسية موحدة، يلتف حولها الشعب الفلسطيني، وهو يقتحم الصعاب، ويقدم التضحيات عن طيب خاطر.