نشرت صحيفة "نييورك تايمز" الأمريكية، تقريرًا تحدثت فيه عن تراجع قيمة البتكوين بشكل مطرد في الأسابيع الأخيرة، رغم إشادة المدافعين عنها منذ فترة طويلة باعتبارها وسيلة تحوّط آمنة في أوقات عدم اليقين.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إنه كان ينظر إلى البتكوين من قبل العديد من المعجبين ذوي الميول التحررية، باعتبارها نوعًا من التأمين للأيام الصعبة، وشكلا من أشكال "الذهب الرقمي" الذي سيكون مصدرا للاستقرار في عالم أصبح أكثر فوضوية، ووضع اقتصادي لا يمكن التنبؤ به.
وذكرت الصحيفة أن معدّل التضخم في الولايات المتحدة يرتفع بأسرع وتيرة له منذ عقود، وارتفع مؤشر فيكس بأكثر من 80 بالمئة هذه السنة.
وفي الشهر الماضي، استجابت الحكومة الكندية لاحتجاج من سائقي الشاحنات المعارضين للقاحات بالتهديد بتجميد حساباتهم المصرفية، ما وجه دعوات لتأمين نوع من التمويل الذي لا يخضع لمصادرة الحكومة.
غزو أوكرانيا لم ينعش البتكوين
قُوبل الغزو الروسي لأوكرانيا بعقوبات قاسية أضعفت قيمة الروبل الروسي ودمرت الاقتصاد الروسي، وانسحبت العديد من الشركات الأمريكية من روسيا، ما جعل من المستحيل تقريبًا على مواطنيها الوصول إلى حساباتهم المصرفية أو استخدام بطاقات الائتمان أو حتى الدخول لمنصات التواصل الاجتماعي.
كل هذه الأحداث تشكل عاصفة من المشاكل الاقتصادية والجيوسياسية التي يجب أن تكون من الناحية النظرية مواتية بالنسبة لعملة البتكوين.
لكن عملة البتكوين لم تزدهر، بل انخفضت أسعار العملات الرقمية بشكل مطرد. وخسرت البتكوين 10 بالمئة من قيمتها في الشهر الماضي، وشهدت إيثر خسارة بنسبة 15 بالمئة تقريبًا.
وأشارت الصحيفة إلى أن الاستخدام اليومي للعملات المشفرة لا ينتعش بحسب ما هو متوقع. صحيح أن حجم تداول البتكوين زاد بعد غزو روسيا لأوكرانيا، لكنه ظل ثابتًا نسبيًا منذ ذلك الحين ما يشير إلى أن الناس لا يسارعون إلى تداول الروبل الروسي والهريفنا (العملة الأوكرانية) مقابل العملات الرقمية.
ولا يبدو أن الأوليغارشية الروسية تستخدم العملات المشفرة للتهرب من العقوبات بشكل جماعي، رغم المخاوف الأولية من احتمال حدوث ذلك.
ومن المؤكد أن التشفير لم يكن غائبًا تمامًا عن هذه الأحداث. ولا يزال من السابق لأوانه القول، على وجه اليقين، أن العملات المشفرة لن تكون مفيدة في المراحل اللاحقة من الصراع الروسي. والسؤال المطروح: لم لا يبدو أن البتكوين تلعب دورا مركزيًا في تفككنا العالمي حتى الآن؟
من بين الاحتمالات أن التشفير لا يزال محيرا للغاية ويصعب جدًا على الأشخاص العاديين استخدامه، خاصة أثناء الحرب، كما يعد الوصول إلى الإنترنت متقطعا في أجزاء كثيرة من أوكرانيا مشكلة إضافية، فيما تفيد التقارير رغم ذلك بأنه حتى النخب في البلاد تكافح من أجل تحويل أصولها إلى عملات مشفرة.
أما الاحتمال الآخر الشائع بين المشككين في بيتكوين والعملات المشفرة الأخرى هو أن البتكوين لا تزال متقلبةً للغاية بحيث أن الاستثمار فيها غير مفيد للتحوط ضد عدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي.
ونقلت الصحيفة عن جيمي نغوين، رئيس جمعية بتكوين، وهي مجموعة تجارية للعملات المشفرة، قوله إن "عملة بتكوين من المفترض أن تكون كل هذه السنوات ملاذا آمنًا من الأسواق المالية التقليدية".
ويجادل نغوين بأن عملة البيتكوين محكوم عليها بالفشل لأنها قد تكون بطيئة ومكلفة في معالجة المعاملات، ما يجعلها أقل فائدة في عمليات الدفع. وأضاف أنه "كان يتعيّن على الكثير من مؤيدي البتكوين أن يزعموا أنها أحد الأصول الاحتياطية".
من جانبه، طرح كيفن ويرباخ، أستاذ الدراسات القانونية وأخلاقيات العمل في كلية وارتون بجامعة بنسلفانيا، نظرية مختلفة. وقال إن أوائل مستخدمي البيتكوين وأكثرهم صراحة كانوا يميلون إلى التحرر حيث رأوا العملة المشفرة كنوع من بوليصة التأمين ضد التضخم المفرط والفساد الحكومي.
لكن التقلبات الأخيرة في الأسعار في أسواق العملات المشفرة جذبت موجة من المضاربين الذين اعتبروا البتكوين وغيرها من العملات المشفرة استثمارات بشكل أساسي، ولم يهتموا كثيرًا بآثارها السياسية.
ذكرت الصحيفة أن سام بانكمان فريد، الرئيس التنفيذي لمنصة العملات المشفرة "إف تي إكس"، نشر تغريدة على "تويتر" قال فيها إنه في الوقت الذي يعتقد فيه أن أداء بتكوين سيكون "أفضل" في بيئة سياسية واقتصادية أقل استقرارًا، فقد خمّن أن التناقض مرتبط جزئيًا بالتغطية السلبية لوسائل الإعلام للعملات المشفرة. ولكن ربما تأتي وجهة النظر الأكثر إثارة للاهتمام حول فائدة التشفير خلال الأوقات غير المستقرة مباشرة من الحكومة الأوكرانية.
منذ الغزو الروسي، عمل أليكس بورنياكوف، نائب وزير التحول الرقمي في أوكرانيا، وفريقه بقيادة وزير التحول الرقمي للبلاد ميخايلو فيدوروف، على مدار الساعة لتنسيق التبرعات بالعملات المشفرة للجيش الأوكراني.
وتم إرسال عشرات الملايين من الدولارات من عملة بتكوين وإيثر وغيرها من العملات المشفرة إلى هذه العناوين، وتم استخدام الأموال لشراء الإمدادات العسكرية، بما في ذلك السترات الواقية من الرصاص ونظارات الرؤية الليلية.
قال بورنياكوف، الذي كان يتحدث من مكان غير معلوم في أوكرانيا في مؤتمر بالفيديو استضافته شركة الذكاء الاصطناعي "كوليكتيف"، إن إحدى ميزات استخدام التشفير لجمع الأموال هي مدى سرعة صرف الأموال.
وأضاف: "في مثل هذه الحالة، تساعد العملة المشفرة في إجراء تحويلات سريعة". ولكن بدا بورنياكوف حذرا من المبالغة في تقدير أهمية العملات المشفرة للقضية الأوكرانية.
وأوضح قائلا: "لا أعتقد أن العملات المشفرة تلعب دورًا رئيسيًا. لكن دورها أساسي في هذا الصراع من حيث مساعدة جيشنا".